للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد وصل التهافت بأبى جهل أن يكفر بملته كلها، فيسب الله تعالى، وفى ديانتهم أن الله هو خالق السموات والأرض وإن كانوا يشركون الأنداد معه، لقد قالوا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم «لتتركن سب الهتنا أو لنسبن إلهك» ولأن أبا جهل ومن على شاكلته لا دين لهم إلا العصبية الجاهلية، ولا يؤمنون بشيء لا يتوقع منه أن يسب الله تعالى ولكنه سبه فنزل النهى عن سب الأحجار والأوثان، وتكون الدعوة إلى التوحيد المجرد، وبطلان عبادة الأوثان، فقال تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ.

ولقد كان منهم من يحسب أنه يحاكى القران الكريم، فيأتى بقصص من أخبار الفرس وحروبهم يسلى الناس عن القران الكريم ويبعدهم، ثم يقول للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: يا قوم والله ما محمد بأحسن حديثا منى، وما حديثه إلا أساطير الأولين، أكتبها، كما اكتتبها، فيحكى عنهم رب العالمين قولهم، ويرده عليهم بالقران الكريم يتلي، فيقول الله تعالى: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً «١» .

هم يكذبون القران الكريم، ويعبثون بحقائقه، وهم الذين يفرون من سماعه، فإذا تهكموا عليه انتظروا ما يقال فى تهكمهم فيهجم القران الكريم على مسامعهم، ولا يستطيعون منه فرارا، ولا ينفكون عن سماعه.

ومنهم من كان يحسب أنه يناقض معانى القران الكريم بحقائق من الأديان السابقة أو بما حسبه كذلك. ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يجلس بينهم، ويتلقى مجادلتهم، ويدعوهم بالتى هى أحسن، غير مدخر بابا من أبواب الإقناع بالحق إلا سلكه، يروى ابن إسحاق فى السيرة ما يأتى:

جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما بلغنا يوما مع الوليد بن المغيرة فى المسجد، فجاء النضر بن الحارث، حتى جلس معهم، وفى المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ.

لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ «٢» .


(١) سورة الفرقان: ٥- ٧.
(٢) سورة الأنبياء: ٩٨- ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>