للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر أنه كان يقع ذلك من القرشيين، انعطافا على المظلومين، وإكراما للقرابة، ويقول فى ذلك ابن إسحاق: «ولم يبل أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن الحارث ... وكان ذا شرف فى قومه، فكان فيما بلغنى يأتى بالبعير، وبنو هاشم وبنو المطلب فى الشعب- ليلا قد أوقره طعاما، حتى إذا بلغ فم الشعب خلع خطامه من رأسه، ثم ضربه على جنبيه فدخل الشعب، ثم يأتى به قد أوقره، فيفعل مثل ذلك» .

وهكذا يتكرر منه العمل، ويتكرر منه التزويد، وهذا لا يدل على خيانة عهد، فليس للاثمين عهد يراعى، ولكنه كان استجابة لصلة القرابة، وإحساسا بظلم تلك الفعلة التى فعلها قومه.

وإذا كان لهشام هذا ذلك الشرف الذى كان يعاون به المحاصرين من قومه، فإنه صاحب الفضل الأول فى ترتيب نقض الصحيفة، من جانب المشركين، وقد ذكرنا من قبل كيف أخبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأن الأرضة أكلت ما فيه اسم الله وعهده، وأبقت لهم إثمهم البغيض، وكيف انتهت بنقضها، ولكن الان نبين كيف ابتدأ الانتقاص فى جموعهم.

تولى هذا العمل ابتداء هشام بن عمرو بن الحارث، ولنذكر ترتيبه الحكيم، كما جاء فى البداية والنهاية.

مشى هشام إلى زهير بن أمية بن المغيرة، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: أقد رضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب، وتنكح النساء، وأخوالك حيث علمت لا يبتاعون، ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، أما إنى أحلف بالله لو كانوا أخوال أبى الحكم بن هشام (أى أبى جهل) ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم، ما أجابك إليه أبدا.

قال زهير: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معى رجل اخر لقمت فى نقضها.

قال هشام: لقد وجدت رجلا. قال من هو؟ قال: أنا، قال هشام: ابغنا ثالثا.

ذهب هشام الكريم إلى المطعم بن عدى، فقال: يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بنى عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه، أما والله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدنهم إليها منكم سراعا. قال: ويحك فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد. قال قد وجدت ثانيا. قال فمن هو؟ قال أنا، قال ابغنا ثالثا. قال قد فعلت. قال من هو؟ قال زهير بن أبى أمية، قال: أبغنا رابعا. فذهب هشام إلى أبى البخترى (صاحب اللحى التى ضرب بها أبا جهل) ابن هشام، فقال نحو ما قال للمطعم بن عدى، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>