للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى البخارى بسنده عن أبى هريرة قال: «أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت بإناء، فيه إدام- أو طعام أو شراب- فإذا هى أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب» والقصب المراد به اللؤلؤ.

وقد قال السهيلى «إنما بشرها ببيت فى الجنة من قصب يعنى قصب اللؤلؤ، لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان، ولا صخب فيه ولا نصب، لأنها لم ترفع صوتها على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ولم تتعبه فى الدهر، فلم تصخب عليه يوما، ولا اذته أبدا» .

ولقد كان يذكرها دائما بالخير، يحب من كانت تحبه، ويواد من كانت توده، حتى كان ذكرها الدائم يثير غيرة بعض نسائه، حتى لقد قالت أم المؤمنين عائشة: «ما غرت من امرأة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ما غرت من خديجة، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله تعالى أن يبشرها ببيت فى الجنة من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدى فى خلائلها منها ما يسعهن «١» » .

وكان مع ذكرها يكرم ذكراها، ومن يذكره بها، ولقد استأذنت عليه هالة بنت خويلد أختها، فعرف استئذان خديجة، فارتاح، فقال: «اللهم هالة» .

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: «كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذ ذكر خديجة أثنى عليها بأحسن الثناء فغرت يوما، فقلت: «ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرا منها» قال: ما أبدلنى خيرا منها، وقد امنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، واستنى بمالها، إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله ولدها إذ حرمنى أولاد النساء» .

وواضح أن ذلك قبل أن يهب الله تعالى له إبراهيم من مارية القبطية.

وإننا نرى من هذا الكلام كله مكانة أم المؤمنين خديجة فى نفس النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكيف كانت المواسى، إذا ادلهمت الأمور، واشتد البلاء، وكيف كانت المؤنس إذا استوحش من الناس، وكيف كانت الهدأة والسكن إذا ارتاع من هول ما يفعل الناس، فكان حقا عليه الصلاة والسلام أن يسمى عام وفاتها ووفاة عمه الكريم عام الحزن، وقد فقد فيه الحبيبين، الحامى المكافح، والمؤنس المواسى.

وقد مات أبو طالب قبل خديجة على أصح الروايات، وقيل: كانت وفاته قبلها بثلاث ليال. ويذكر بعض الرواة أن وفاتها كانت قبل وفاته بنحو من خمس وثلاثين ليلة وأن الراجح أن وفاته كانت قبل وفاتها، ومهما يكن الأمر فى المقدم والمؤخر، فإن وفاتهما أورثت حزنا شديدا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.


(١) البخارى- البداية والنهاية ص ١٨ ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>