للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن غشيتم شيئا فأخذتم بحده فى الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة، فأمركم إلى الله تعالى، إن شاء عذب وإن شاء غفر. ولقد قال الحافظ ابن كثير، إن هذا الحديث مخرج فى الصحيحين وغيرهما من طرق عن ابن شهاب الزهرى. ونرى أن هذه المبايعة كانت لبيان بعض التكليفات الإسلامية التى لا اختلاف فيها، وما كانت للإيواء والنصرة، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن قد قرر الهجرة إليهم، ولم يكن قد جاءه الأمر بذلك، أو الإيحاء به، ولأنه لا يأخذ بعهد النصرة، قبل عهد الإيمان، فما كان عهداهم عهد جوار، ولكن عهد تأييد، ومحاربة دون الإسلام، ولا تكون إلا بعد توثيق كلمة الإيمان، وحقها.

وقد سمى كثيرون من كتاب السيرة هذه البيعة بيعة النساء، وما كانت هذه التسمية فيما نحسب فى وقت البيعة، إنما كانت بعد ذلك لمشابهتها لما ذكره القران الكريم من مبايعة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم للنساء فى أحكامها، وإن اختلف وقتها، واختلف موضوعها، فتلك كانت مع النساء، أما هذه فكانت مع الرجال، وهى للرجال وللنساء على سواء. وهذا نص بيعة النساء كما جاء بها القران الكريم، فقد قال الله تعالى فى سورة الممتحنة: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ، وَلا يَزْنِينَ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فَبايِعْهُنَّ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» بيعة النساء بعد الهجرة.

[مصعب بن عمير:]

٣١٢- انصرف القوم إلى يثرب تحفهم بركة الله، ونعمة الإيمان، فبعث معهم مصعب بن عمير الذى يلتقى فى النسب مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى قصى بن حكيم، فهو كما جاء فى نسبه مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى.

وقد أرسله إليهم، ليدعو إلى الله تعالى من لم يؤمن، وليعلمهم، ويفقههم فى الدين، ويقرأ عليهم القران الكريم.

ويذكر البيهقى بسنده عن عمرو بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما بعث إليهم مصعبا حين كتبوا إليه أن يبعثه إليهم، وهو الذى يذكره موسى بن عقبة «٢» .


(١) سورة الممتحنة: ١٣.
(٢) البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>