للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا بى لعجز، ألا أسأله ماله إذا سمع أذان الجمعة صلى على أبى أمامة أسعد بن زرارة، فخرجت به فى يوم جمعة، كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه، واستغفر له، فقلت: «يا أبت مالك إذا سمعت الجمعة صليت على أبى أمامة، فقال: أى بنى كان أول من جمع بنا فى المدينة فى هزم النبيت من حرة بنى بياضة فى مكان يقال له بقيع الخضمات، قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال:

أربعون رجلا «١» .

ولم يكن عمل مصعب وأسعد بن زرارة من بنى النجار مقصورا على إقامة الصلوات، بل أخذا يدعوان إلى الإسلام فى يثرب.

فقد جاء فى السيرة لابن إسحاق وفى البداية والنهاية لابن كثير. أنهما أخذا يدعوان إلى الإسلام بنى عبد الأشهل، وبنى ظفر، وهما من أقوى الأنصار صوتا، وأبعدهم ذكرا. وإليك ما جاء فى البداية والنهاية: كان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطا من حوائط بنى ظفر فجلسا فى الحائط (البستان) واجتمع إليهما رجال ممن أسلموا، وسعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير يومئذ من بنى عبد الأشهل، كلاهما مشرك على دين قومه. فقال سعد لأسيد: لا أبالك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما أن يأتيا دارينا ... فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهما. فلما راه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه، قد جاءك، فاصدق الله فيه ... فوقف عليهما أسيد متشمتا، ثم قال: ما جاء بكما إلينا، تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانى، إن كان لكما بأنفسكما حاجة، وقال غلام: أتيتنا فى دارنا رعديد الغريب لتسفه ضعفاءنا بالباطل، وتدعوهم إليه.

فقال مصعب لأسيد: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره.

قال: أنصت. ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القران الكريم.

فقال مصعب وأسيد، والله لعرفنا الإسلام فى وجهه، فى إشراقه وتسهله، قبل أن يتكلم.

فقال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا فى هذا الدين، قالا له:

تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ... ففعل ما طلب إليه، ثم قال لهما: إن ورائى رجلا إن اتبعكما لم يتخلف أحد من قومه، وسأرسله إليكما، سعد بن معاذ.

ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس فى ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم.


(١) سيرة ابن هشام ج ٢١ ص ٤١٥ والبداية والنهاية لابن كثير ص ١٥٢ ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>