للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ج) وجود البيت الحرام بها، وهو أعلى الأسباب، إذ أنه صار بيت العرب الدينى، ومستقر شرفهم، إليه يحجون، وبه يأمنون، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ «١» .

لقد كانوا لتقديسهم لمكانة البيت، يحرمون على أنفسهم أن يقتلوا أو أن يقتتلوا داخل الحرم، حتى أنهم مع تشديدهم فى الأخذ بالثأر مما فرق جمعهم كانوا يحرمونه على أنفسهم فى الحرم المكى، زاده الله تعالى تشريفا وتكريما، وأن الرجل كان يلقى قاتل ابنه أو أخيه فلا يمسه بسوء لمكان التقديس النفسى، بل إنهم لا يحترمون المكان فقط، بل يحترمون أيضا الزمان الذى يكون فيه الحج إلى بيت الله الحرام، فكانوا لا يتقاتلون فى أشهر الحج، ولا شهر العمرة، وهو ما يسمى بالأشهر الحرم، وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذى بين جمادى وشعبان، إذ كانت فيه عمرة مضر، ولذلك سمى رجب مضر.

وقد أقر الإسلام من بعد حرمة البيت، ومنع القتال فى الأشهر الحرم إلا إذا كان فيها اعتداء، فإنه يكون من ظلم النفس ألا يدافع المعتدى عليه عن نفسه.

(د) لقد كانت الصحراء العربية موضع تنازع بين القبائل، ولم يكن فى القبائل من تقرر لها نظام، إلا مكة، وإن لم تكن فيه صفة الدولة، بيد أنه كان سلطانا ناشئا من تعاونهم، وتضافرهم، وتلاقيهم، فهو نظام حر ناشىء ومنفذ بين قوم أحرار، وإن لم تكن دولة ابتداء، فإنه يجوز إذا اتسع السلطان، ووجدت المقدرة الثابتة، يصلح أن تكون فيه دولة العرب من بعد، لأنهم يجدون فيها الرياسة المختارة من الشعب، بمقتضى الإرادة العربية التى تتلاقى فيها القبائل، وبمقتضى الانتخاب الطبيعى فى البلاد العربية.

(هـ) وكانت قريش بمكة المكرمة ذات اتصال تجارى بين الروم والفرس، فكانت فيها المتاجر تغدو وتروح ذاهبة إلى اليمن حاملة بضائع الروم إليها، ومن اليمن تنفذ إلى ماوراءها فى أرض الفرس، وكانت بضائع الفرس التى تؤخذ من اليمن تذهب إلى الشام لتصل إلى ماوراءه من الرومان.

والسبب فى أن مكة كانت لها تلك الميزة الاقتصادية أنها كانت فى وسط البلاد العربية بين اليمن والشام، وأن المواصلات إبان ذلك كانت عن طريق البر بالصحراء العربية، وفوق ذلك النزوع التجارى فى أهل قريش، احترفوا التجارة، واتخذوها مرتزقا لهم، إذ لم يكن فى مكة زرع يغنيهم.

وكان العرب يتخذون موسم الحج سبيلا للصفق فى الأسواق التى تعقد فى أيام الحج، ومن هذه الأسواق عكاظ، وغيره، وكان هو أكبرها.


(١) سورة العنكبوت: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>