للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرج النبى صلّى الله عليه وسلّم إلى غار ثور، وهو على مسافة من مكة المكرمة بأسفله، وسار هو وصاحبه الصديق فجعل أبو بكر يكون أمام النبى صلّى الله عليه وسلّم مرة، وخلفه مرة، فسأله النبى صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فقال: إذا كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك وإذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك. ويروى أنه قال إذا كنت أمامك خشيت الطلب، وإذا كنت خلفك خشيت الرصد.

وروى البيهقى عن عمر بن الخطاب قال: «لقد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة انطلق إلى الغار، ومعه أبو بكر، فجعل يمشى ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا أبا بكر مالك تمشى ساعة خلفي، وساعة بين يدي، فقال: يا رسول الله أذكر الطلب، فأمشى خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشى بين يديك، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني. قال:

نعم، والذى بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار. قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى أستبريء لك الغار فدخل حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبريء الجحر، فقال: مكانك يا رسول الله حتى أستبريء، فدخل فاستبرأ، ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل، قال عمر: والذى نفسى بيده، لتلك الليلة خير من ال عمر» «١»

مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطمئنا إلى وعد الله تعالي، راضيا بالمشقة فى سبيل الدعوة، وتبليغ الرسالة، وقد رضى أن يفارق مكة المكرمة، وهى أحب بلاد الله تعالى فى سبيل اقامة الدولة الإسلامية، التى لم يمكنه أهلها من الدعوة، وحاولوا قتله، وكانت هذه المحاولة مع عنادهم، وكفرهم، وجحودهم بالايات سببا فى أن يخرج يريد أرضا لدولة الإسلام فى غيرها.

علم المشركون، أو العتاة منهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج، وأن الذى نام مكانه علي، وأنهم ترصدوا عليا، وهم يحسبون أنهم يترصدون النبى عليه الصلاة والسلام ليقتلوه، حاولوا أن يعرفوا من على أين ذهب النبى صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجدوا عنده ما يطلبون، فأخذوا يتقصون أثره، ويتأثرون خطاه ليعرفوا أين يكون، وأطلقوا فى الأسواق والأماكن من يأتى به حيا أو ميتا وقد اقتفوا أثره، وتتبعوه، حتى وصل بهم الأمر إلى جبل ثور الذى بغاره الصاحبان، ولكن اية الله تعالى أن جعلت العنكبوت ينسج نسيجه، وكأنه من سنين، وأن حمامتين عششتا على بابه، فكانت اية حسية من خوارق العادات، ولكن النبى صلّى الله عليه وسلّم لم يتحدث لإثبات نبوته إلا بالقران الكريم، لأنه المعجزه الكبرى الباقية إلى يوم الدين. وهو حجة على الخليقة فى كل الأجيال، ولكل الأجناس.

جاء رجال قريش يطلبون النبى صلّى الله عليه وسلّم، وقد انتهى بهم الأثر الى الغار، ولكنهم، وجدوا ما وجدوا وقالوا إذ رأوا نسج العنكبوت: لم يدخل أحد. وهم لو ألقوا بأنظارهم إلى داخله لرأوا الرسول وصاحبه، ولكن


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>