للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فو الله ما يبرح حتى تعلينا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك فى أيام حارة، حتى إذا كان اليوم الذى قدم فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ... وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دخلنا البيوت، فكان أول من راه رجل يهودى، وقد رأى ما كنا نصنع، وأن ننظر قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- علينا.

فصرخ بأعلى صوته يا بنى قيلة (الأنصار) هذا جدكم قد جاء، فخرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو فى ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضى الله عنه فى مثل سنه، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وركبه الناس أى (ازدحموا) عليه وما يعرفونه من أبى بكر، حتى زال الظل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام أبو بكر، فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك.

نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما يذكر علماء السيرة الطاهرة على كلثوم بن هند، وبعض العلماء يقول أنه نزل عند سعد بن خيثمة، وقد وفق ابن إسحاق وغيره بين الخبرين، فقال إنه صلّى الله عليه وسلّم نزل عند كلثوم، ولكنه كان إذا خرج للناس وجلسوا إليه، كان ذلك فى بيت سعد.

ولقد جاءت عبارات تفيد أنه كان يختار الجلوس فى بيت سعد، لأنه كان عزبا لا أهل له، وكان منزله منزل الأعزاب من المهاجرين.

ونزل صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر على خبيب بن أساف.

وفى قباء التقى علي بن أبى طالب برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ مكث ثلاث ليال وأيامها بمكة المكرمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرد الودائع، ثم أخذ سمته إلى يثرب، وكأنه أقام فى مكة المكرمة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام المدة التى مكثها النبى وصاحبه فى الغار إذ أنهما مكثا فى الغار ثلاث ليال.

ونزل على كرم الله وجهه فى المنزل الذى نزل فيه النبى صلّى الله عليه وسلّم، وهو منزل كلثوم بن هند، ويظهر أن حضوره إلى قباء كان بعد حضور النبى صلّى الله عليه وسلّم بليلة على الأقل، لأنه أقام بقباء ليلة أو ليلتين، وقد ذكر ابن إسحاق أنه أقام فى قباء أربعة أيام بلياليها، فذكر أنه أقام يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وفى هذه المدة التى أقامها بقباء أنشأ مسجدها، وهو الذى أشار الله تعالى إليه فى قوله تعالى:.. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «١» ، فهو مسجد أسس على التقوى من أول يوم أقام فيه النبى صلّى الله عليه وسلّم، وهو جدير بأن يسمى مسجد الهجرة، وأنه مسجد الذين يحبون أن يتطهروا فى عبادتهم غير مرائين ولا منافقين. ولقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصل فى اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول، وكان يوم الاثنين، وقيل فى اليوم التالى، والأول هو الذى يرجحه الرواة.


(١) سورة التوبة: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>