للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قيام الدولة الفاضلة، بعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في حياته والحواريين من بعده فيه تطبيق عملى للفضيلة والعدالة والمساواة. وإذهاب روح التفاوت والعنصرية، وبث الإيمان والفداء، ورجاء ما عند الله تعالى. ويكون ذلك حجة في الأرض على الذين يدّعون، أن قيام دولة فاضلة على مبادئ الأخلاق ليس حلما لا يتأتى تطبيقه، ولكنه عمل ثبت تحقيقه، وقامت في الوجود أعلامه، وأن الذين يفرطون في حقوق الإنسانية، يسرفون على الناس في ظلمهم زاعمين أن الفضيلة والأخلاق علاقات شخصية، ولا تصلح أن تكون أساسا للعلاقات الاجتماعية والإنسانية عامة.

وأن قيام الدولة الإسلامية حجة قائمة على الذين يزعمون أن الدين علاقة بين العبد وربه. وأنه مقصور على المساجد والكنائس والصوامع، لأنه لو كان الدين كذلك ما هاجر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولارتضى البقاء في مكة المكرمة، واكتفى أن يطلب من المشركين أن يتركوه وما يعبد، وأن يتركهم وما يعبدون، ولعلهم كانوا يرتضون بذلك، وخصوصا أنهم كانوا يعلمون فيه الأخلاق الفاضلة، والصدق وشرف المحتد، والنسب الرفيع.

ولكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كانت رسالته أبعد من ذلك أثرا، وأعم من ذلك عملا، وإنا نقول مقالة الذين يقولون أن الدين هو العلاقة بين العبد وربه، ولكنا نعمم العلاقة بين العبد وربه، فنجعلها عامة شاملة، وليست خاصة بالصلاة والصوم، إنما علاقة العبد بربه تقتضى الرحمة بعباده، والعدل بينهم أيا كان جنسهم، وأيا كان لونهم، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله» وأن كل عمل خير فيه صلاح الجماعة من عدل يقام، وظلم يخفض، وإعلان مساواة ورفق بالناس، كل هذا عبادة إذا قصد به وجه الله، ولا يمكن أن يكون مصلح قادرا على الإصلاح، إلا إذا أخلص النية لله تعالى، وأراد نفع الناس مرضاة لله تعالى العلى القدير، فالذين يفصلون بين عبادة الله تعالى وحده، وحسن المعاملة، وتنظيم المعاملات بين الناس، يفصلون بين الدين ولازمه، والحقيقة وما يترتب عليها، والمقدمة والنتيجة.

٣٣٥- وإن العرب كانوا أصلح الناس لتجربة الدولة الفاضلة التى وضع الله تعالى في الكتاب الكريم وعلى لسان رسوله الأمين، دعائمها وأسس إقامتها، وقد سن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم السنن العملية لتطبيق أحكام الله تعالى، فبين العبادات المفروضة من صلاة وصوم، وحج وزكاة، وإن كانت الصلاة قد ابتدأت في آخر أيامه صلى الله تعالى عليه وسلم في مكة المكرمة، عند الإسراء والمعراج.

<<  <  ج: ص:  >  >>