للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقبة الثانية، فكان التعبير بالبناء للمفعول دليلا على أن قتال المؤمنين في مقابل أنهم ابتدأوا، وهو دفع للأذى، وللفساد في الأرض، كما قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (البقرة- ٢٥١) .

الإشارة البيانية الثانية أن الله تعالى صرح بأن القتال دفع للظلم أو منع لاستمراره.

الثالثة: أن أهل الإيمان هم أهل الحق، فإن قاتلوا فهو دفاع عنه وعن التوحيد، والإيمان به، فهو قتال يحمل في باعثه، وفي ذاته، الدعوة إلى الله تعالى.

الرابعة: أن القتال الذى يكون جهادا في سبيله هو دفع الباطل، وإلا كان الفساد في الأرض، وألا يعبد الله تعالى فتهدم بيع وصلوات، ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. فالقتال نصرة الله تعالى.

وحماية للحق، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج- ٤٠) .

الخامسة: أن القتال فيه تمكين للحقائق الإسلامية، فنتيجة القتال تمكين للذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، فالقتال من نتيجته أنه يمكّن أهل الحق من الدعوة إليه بالقول وبالعمل، وبذلك تقوم شريعة الله سبحانه.

وفي هذا إشارة إلى أن غاية القتال بعد دفع الاعتداء ومنع الظلم، هى التمكين للدعوة الإسلامية، وأن يدخل الناس في دين الله تعالى مختارين من غير فتنة، ومن غير إرهاق لهم في عقائدهم.

وبذلك نأخذ من الآية الكريمة أن الباعث على الجهاد في الإسلام أمران:

أولهما: دفع الظلم ومنع الفتنة- كما قال تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة- ١٩٣) . وأن الاعتداء يرد بمثله، فمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم الذى جاء بالحق لا يدفع إرادة الأذى بالسكوت عليه واستمراره، بل يدفع الاعتداء بمثله، كما قال تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة- ١٩٠) .

الأمر الثانى: هو التمكين للدعوة الإسلامية، بأن تزال المحاجزات التى يقيمها الملوك والحكام الظالمون بين دعوة الإسلام والاستجابة لدين الحق أو أن يعوقوه، وليس معنى ذلك حمل الشعوب على الدخول في الإسلام كرها بقوة السيف، بل إن مؤداه أن يعرفوا الإسلام، ويتمكنوا من تلقى الدعوة الإسلامية، فإذا عرفوها فقد تبين الرشد من الغى، والحق من الباطل، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولذلك قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، لَا انْفِصامَ لَها، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦- البقرة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>