للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[انتهاء الحرب]

٣٥٨- كانت حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تنتهى بأحد أمور ثلاثة:

أولها- الموادعة- وقد كانت عهود الموادعة التى كان يبرمها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مرغوبا فيها منه صلى الله تعالى عليه وسلم استجابة لقول الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال: ٦١) ولقول الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (البقرة: ٢٠٨) ولأن الأصل في العلاقة هو السلم، والحرب لا تكون إلا إذا دفعت إليها ضرورة رد الاعتداء بمثله مع التزام الفضيلة كما ذكرنا، وإذا كانت الموادعة فقد زالت ضرورة الحرب، والضرورة تقدر بقدرها.

وقد عقد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم موادعات، كما عقد صلحا، وعقد من بعده صاحباه أبو بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما معاهدات صلح آخذين بهديه، مقتبسين من نوره، وكلها كانت تبدو فيها الرغبة في الصلح من جانب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يدخل في الحرب إلا بعد عرض الصلح، حتى تتحقق ضرورة الحرب.

وإن الموادعة لا يفرضها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحكم القوة، إن كان هو الغالب، بل يفرضها بالسماحة وإدناء القلوب النافرة.

ولعل أوضح الأمثال في الدلالة على ذلك صلح الحديبية، فقد ذهب إلى مكة المكرمة ومعه جيش كثيف في عدده، قوى في رجاله، مستعد في عدته، ليحج بيت الله الحرام، ولكن ما إن عرضت فكرة المهادنة، حتى سارع عليه الصلاة والسلام إليها وقبل من الشروط ما لا يقبله إلا السمح الكريم، وفيها كما يدل ظاهرها من الإجحاف بالمسلمين ما كان لغير نبى أن يقبله، ولكنه قبله راضيا. ولنذكر الخبر فيها، كما روته الصحاح في السنة:

روى البخارى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خرج في ذى القعدة من العام السادس ليحج إلى بيت الله الحرام. على ألا يقاتل إلا إذا منع، فلما بلغ قريشا عزمه عليه الصلاة والسلام، ومجيئه مع أصحابه، جمعوا له الجموع ليصدوه، ومن معه، فلما علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك، وقد لبس لباس الحج ونواه ومعه الجيش الكبير- جمع أصحابه، وقال: «أشيروا على» ، فقال أبو بكر:

«يا رسول الله خرجت قاصدا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد. فمن صدنا عنه قاتلناه» فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «امضوا على بركة الله» حتى إذا أشرف على مكة المكرمة قال: «والله لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>