للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرفق غير حرب النبوة التى قام بها محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وللناس في رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أسوة حسنة.

[الأسرى]

٣٦٠- لعل أبلغ ما يدل على أن الحرب النبوية التى دافع بها صلى الله تعالى عليه وسلم عن المؤمنين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، هى حرب لتعليم الناس أن الخلق الكريم يلازمها، وأن الفضيلة تظلها في كل أدوارها، هو معاملة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم للأسرى، لقد كان رفيقا بالأسرى لا يهدر آدميتهم، ولا يعرف تاريخ الإنسانية محاربا كان رفيقا بأسراه كمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم يوصى بالأسرى، ولما أسر من أسر في غزوة بدر، نزلوا في بيوت الأنصار، وكأنهم في ضيافة لا في أسر، وذلك لقول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «استوصوا بالأسرى خيرا» ولماذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يوصى بالأسرى، ويبالغ في الإيصاء بهم؟ والجواب عن ذلك أنهم يؤسرون ونيران الحرب مستعرة، وربما كان بعضهم من قتل الكثير من جيش المسلمين فيكون الاعتداء عليه متوقعا وغليظا لشدة الغيظ، وانبعاث الرغبة في الانتقام، كما فعل الأوربيون والأمريكان فيمن سموهم مجرمى الحرب، فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يضرب الأمثال السامية في تلك الحرب النبوية منع إيذاء الأسرى وأمر بإكرامهم منعا لتلك الروح الانتقامية الغليظة.

وقد أخذ المسلمون في أسرى بدر بتلك الوصية الكريمة، حتى إن الذين قد نزلوا في ديارهم كانوا يؤثرونهم على أنفسهم وأولادهم بالطعام.

وإن أولئك الكرام كانوا في جهادين: أولهما جهاد السيف ونيران الحرب ملتهبة، حتى إذا انطفأت كان الجهاد الثانى، وهو ضبط النفس لتكظم الغيظ، لئلا يكون منها ما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى بالنسبة للمغلوبين، وخصوصا الأسرى.

لقد تلونا فيما مضى من قولنا قول الله سبحانه وتعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً، وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الإنسان: ٨) وإن الإسلام يوجب بالنسبة للأسير أمرين:

أولهما: أنه ليس لجيش الإسلام أن يأسر حتى يثخن في الأرض بأن يثقل جيش العدو بالجراح، ولا تكون له قدرة على مواصلة القتال، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال- ٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>