للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلوم وما يتصل بها من فلسفات سواء أكانت حقا أم كانت باطلا تملؤها، وإذا جاء الدين الجديد كانت المصارعة بين ما ألفوا، وما جدلهم، وأقل أبواب المصادمات المجادلة، والمجادلة مع المتعصبين تضيع فيها الحقائق، ولا يبدو جوهرها نقيا صافيا.

وإن الأفكار العلمية ولو خطأ تركز فى النفس، والتقاليد المستحكمة المسيطرة تشتد حتى تصل إلى أغوارها فلا يسهل الوصول إلى اقتلاعها.

وقد يقال إن أهل البادية لهم عادات وتقاليد، كما أن أهل الحضارات لهم ذلك، ونقول فى الجواب عن ذلك: إن تقاليد البدو لا ترتكز على عناصر فكرية تتغلغل فى الأذهان، وتسيطر على القلوب كالأفكار والاراء فى بلاد الحضارات، وما يكون فى دائرة العمل من غير تغلغل فى النفس لا يكون راكزا ثابتا، كالذى يكون منشؤه التفكير العميق.

(ج) وإن التجارب قد أيدت ذلك، فإن الدين الجديد يسهل دخوله فى البادية الصافية نفوس أهلها.

(د) وإن أى دين لابد له من ناس يحملونه، ويسيرون به، وأهل البادية الذين يكون عندهم نوع من التفكير والرقى النفسى يكونون أقوى نفسا، وأشد جلادا، وأكثر احتمالا، ولقد قرر الاجتماعيون أنهم هم الذين يحملون أعباء الجهاد فى سبيل ما يعتقدون مادامت أوضاع الحضارة لم تصب قلوبهم. بل فيهم بأس وقوة احتمال.

وإن الشواهد قائمة، فإننا نجد الأديان التى جاءت برسل أوحى إليهم من السماء كان بعثهم فى الأرض التى تكون بين الحضارة والبداوة، وكان التابعون دائما من أهل البأس والقوة الذين عاشوا فى الصحراء، وقاوموا لأواءها، ولم يكونوا من أهل المدن التى أصيبت بطراوة التحضر.

واعتبر ذلك بموسى عليه السلام، فقد أرسل إلى قوم فرعون، ولكن ما نزلت عليه الرسالة إلا فى أرض مدين المتاخمة لحدود الشام، وما وجد الذين يستجيبون له من أهل مصر، وما كانوا هم الذين حملوا عبء التبليغ من بعده، وحمله غيرهم.

ولقد كان بنو إسرائيل أضعف فى نفوسهم من أن يحملوا عبئها من بعده؛ وذلك لأنهم مردوا على أخلاق المصريين وإن لم يكونوا منهم، فكان لابد من أن يتربوا على البأس فى البادية، ليستطيعوا حملها، ولذلك قال تعالى لموسى عليه السلام إذ أمرهم نبيهم موسى عليه السلام أن يدخلوا الأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>