للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمر الثالث- أنه كانت ثمة عير لقريش على أهبة القدوم، ولعل هذا هو الباعث على السرية، ومهما يكن من أمر هذه الرواية التى اتفق عليها إمامان من أئمة الحديث، فإن الأمر الذى أشارت إليه تلك الرواية هو أن السرية سارت بإمرة عبد الله بن جحش، ولكن الذين كانوا فيها على رواية ابن إسحاق كانوا ثمانية ولم يكونوا مائة، وقد عدهم بأسمائهم، وكانوا من المهاجرين، ولم يكن أحد من الأنصار، كشأن كل البعوث والغزوات التى سبق ذكرها، ولعل هذا العدد المحدود. قد قرره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن رأى الاختلاف، ولعل عدد المائة كان من أسبابه، وكلما قل العدد بعد الاختلاف، وفي الفرقة الهلاك كما قرر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. على أن النص لا يدل على قصر العدد على ثمانية، إنما يدل على أن فيهم هؤلاء المذكورين مع عدد ليس بالقليل، وقد ذكر ابن إسحاق أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كتب كتابا لعبد الله بن جحش أمير السرية وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فلما ساربهم يومين فتح الكتاب، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابى. فامض حتى تنزل نخلة بين مكة المكرمة والطائف فترصد بها قريشا، وتعلم من الناس أخبارهم، فلما نظر في الكتاب، قال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بما في الكتاب، وقال قد نهانى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق معي، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض.

وإن هذا التخيير يدل على أن العدد لم يكن ثمانية، وإلا ما كان ذلك التخيير، فإنه لا يكون إلا في عدد كبير ولو نسبيا، ولا يمكن في العادة أن يكون في ثمانية.

ولعل ذلك التخيير، ما كان من قبل الافتراق، إذ قد يكون سببه وهنا في بعض القلوب، فأراد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ألا يسير إلا من اعتزم وأراد، واستولى على قلبه، وذهب عنه الوهن أو احتماله. سارت السرية بإمرة أميرها، سالكة طريق الحجاز.

ولكن ضل عنهم سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان وكانا من الثمانية المقدمين، وكان معهما بعير يعتقبان في ركوبه «١» .

ولكن القافلة سارت، وكان رجاء في أن يهتديا إليها.

مضى عبد الله مع من بقى من أصحابه، حتى وجد عيرا فيها من قريش ومواليهم الحضرمى ابن عبد الله بن عباد، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومى، وأخوه نوفل، والحكم بن كيسان مولى المغيرة بن شعبة.


(١) هنا كلام ناقص ولعله سقط في الطبع أثبته من كتب السيرة «فند، فتخلفا في طلبه ثم لحقا بالقافلة» ... المراجع

<<  <  ج: ص:  >  >>