للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان اختيار المكان بتوفيق الله سبحانه وتعالى، لا بإرادة أحد، ولو كان بإرادتهم وأمرهم لاختلفوا في المكان والزمان، ولكن الله سبحانه وتعالى دبر الميقات، فجعله في هذا الزمان، ودبر المكان فكان هذا المكان، وكان منزل المؤمنين دهسا رمالا يعوق السير، فأنزل الله سبحانه وتعالى مطرا خفيفا لبّد الأرض، وجعلها معبدة يسهل السير فيها، وأنزل أمامهم على قريش مطرا كثيرا عوق سيرهم.

روى النسائى عن مجاهد: أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم المطر، فأطفأ الغبار، وتلبدت الأرض، وطابت به أنفسهم. جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بجيش الإيمان، فنزل على أقرب ماء من بدر، وعرض الأمر على الصحابة فجاء إليه الحباب بن منذر بن الجموح وقال:

يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله تعالى، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: بل هو الرأى والحرب والمكيدة.

قال: يا رسول الله هذا ليس بمنزل، فامض بالناس، حتى تأتى أدنى ماء من القوم، فتنزله ثم تغور «١» ما وراءه من القلب، ثم تبنى عليه حوضا فتملؤه ماء، ثم تقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.

اختار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ذلك المنزل، وأخذ برأى الحباب بن المنذر كاملا، وبنى الحوض على البئر التى اختارها، وامتلأت ماء لأنه آل إليها كل ماء الآبار التى غورت، ورأى المشركون ذلك فأحسوا بأنها المكيدة التى تحرمهم من الماء.

وقد تواجهت الفئتان وتقابل الفريقان، وحضر الخصمان، واستغاث برب العالمين سيد الأنبياء.

وقد ابتدأت المناوشات بأن رجلا شرسا من بنى مخزوم أحس بمكيدة الماء، وظن أنه يستطيع أن يهدم على المؤمنين الحوض الذى بنوه، فقال: لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه «٢» ، فخرج إليه وانقض حمزة بن عبد المطلب أسد الله فانقض عليه، فلما التقيا قطع حمزة بسيفه رجله إلى نصف ساقه، ولكنه لحرصه على أن ينفذ ما أقسم عليه حبا إلى الحوض، فضربه حمزة حتى قتله.

كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الجيش كسائر جنده، ولكنه رأى أن يكون في مكان مرتفع ليشرف على حركة جنده، فاتخذ له عريشا على مرتفع من الأرض، ويروى أن سعد بن معاذ هو الذى أشار به على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. يروى ابن إسحاق بسنده أن سعد بن


(١) رويت في هذه الكلمة بحرف الغين، المعجمة، ومعناها تغوير ما حولها ليذهب ماؤها، ورويت بالعين ومعنى تعويرها إفسادها بما يشبه ردمها فينحصر الماء في القليب المختار.
(٢) هو الأسود بين عبد الأسد المخزومى.

<<  <  ج: ص:  >  >>