للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت التفرقة أولا، من حيث تحكم رجال السلطان فى الرعية، واختصاصهم بالمال يجيء إليهم من الغنائم التى يغتنمونها فى الحروب، وحرمان بقية الرعية من المال والسلطان معا، والناس لا يشقون لالام ذاتية فقط، وإن كان الحرمان فى ذاته يحدث ألما نفسيا، ولكنهم يألمون من ذلك، ومن رؤية النعمة فى يد غيرهم يرتعون ويلعبون، ويعبثون، ولا حق لأحد فى أن يعترض عليهم أو يلومهم، أو يوجه إليهم نقدا.

والتفرقة من الناحية الثانية فى أن الشرف كل الشرف لطبقة الأشراف والمهانة كلها فى الطبقة المحكومة، والشريف الرومانى يعلو على كل احاد الرعية من الضعفاء.

والرق فى أرض الرومان كانت تتكاثر أسبابه، حتى إنه يسوغ لأى إنسان يرى شخصا من أى شعب أن يسترقه، والحكم للقوى فى العلاقات الإنسانية كلها، وكأن أرض تلك الدولة أجمة يفترس قويها ضعيفها.

والأحكام بين الناس تسير على مقتضى تلك النظم المقيتة التى تفرض التفرقة بين الناس.

والمرأة عندهم أمة لأبيها قبل الزواج، وأمة لزوجها فى بيت زوجها ولو قتلها لا عقوبة عليه.

وهكذا ترى نظاما اجتماعيا أهدرت فيه الحقوق الإنسانية الأساسية التى تثبت للإنسان بمقتضى أنه إنسان. وشاع الفساد، وظهر فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس.

كان لابد من تغيير لهذه الحال، ومن إصلاح لهذا الفساد، لأن الله لا يحب الفساد، والله لا يريد ظلما للعباد، فلابد من أن يكون من يغير هذه النظم، وليس فى الناس من يغير، ويبدل بالفساد صلاحا، وبالضلالة هدى، ولا يكون من الإنسان لأن ابن الأرض ترك لأخيه الإنسان فأكله أو أذله، أو أهدر إنسانيته، لابد من رسالة السماء تكون فى أرض تصاقب الرومان، وهم ذوو بأس وقوة.

٤٩- وإذا تركنا غرب الجزيرة العربية وشمالها، واتجهنا إلى شرقها وجنوبها، فإنا نجد أرض فارس، وما فيها من انحلال سياسى وظلم، وانحلال اجتماعي، وانحلال فى الأسرة، وظلم فى الحكم، نجد كسرى يعتبر الشعب كله عبيدا أو كالعبيد، ومن حوله من رؤساء ودهاقين يسوغون ذلك للناس، ولا يكادون يسيغونه، وأن العقائد المختلفة التى تواردت على العقل الفارسى جعلته فى متاهات فكرية يضل فيها السارى، وتظلم النفس، والطبقية التى سرت إليها من الهنود الذين على مقربة منها حلتها اجتماعيا وإن كانت لم تصل إلى مثل ما كان عليه الهنود. والأسرة كانت غير قائمة على أسس قوية وسليمة، فقد كان الولد يتزوج أمه وأخته، ويتزوج الرجل ابنته، وغير ذلك مما يضعف النفس فى العلاقة الزوجية، وينحدر به الإنسان إلى أحط من الحيوان، وكان مذهب مزدك الذى جاء فى اخر الحكم الفارسى الذى حل

<<  <  ج: ص:  >  >>