للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أريد قتله، فكان معه عكرمة وبعض سفهاء القوم، وكان أوّل من لقيه بضربة معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى مسلمة، فقال: رأيته كالحرجة (أى كالشجرة الكبيرة) وهم يقولون لا يخلص إليه أحد.

فضربته ضربة أطنت قدمه إلى نصف ساقه (أى قطعتها) وضربنى عكرمة على عاتقى فطرح يدى. لم يستطع معاذ الإجهاز عليه، حتى جاء معوذ بن عفراء، فأثبته، ولكن لم يقض عليه أيضا، وإن منعه الحركة حتى جاء عبد الله بن مسعود، وبه رمق فوضع رجله على عنقه، وكان قد آذاه، ثم قال له: أخزاك الله يا عدو الله، ثم حز رأسه، وذهب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

انتهى أمر زعماء الشرك، والذين بقوا منهم كانوا أقل عداء وإيذاء وإن كان قتل ذويهم قد أرث قلوبهم بالأحقاد.

وإنه في هذه المعركة لم يستشهد من المؤمنين إلا أربعة عشر، أى نحو خمس من قتل من المشركين، وإذا أضيف المأسورون، يكون ما أصيب من المسلمين عشر ما أصيب من المشركين، ولقد كانت هذه المعركة شفاء لغيظ المؤمنين الذين أوذوا في الحق وأخرجوا من ديارهم كما قال الله سبحانه وتعالى: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ، وَيُخْزِهِمْ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ (التوبة ١٤، ١٥) .

وإن الأمور الأربعة التى ذكرها الله سبحانه وتعالى قد كانت، فقد عذبهم الله سبحانه وتعالى بأيدى الذين عذبوهم، وأخزاهم الله بالهزيمة، وشفى الله قلوب المؤمنين، وأذهب غيظهم، وكانت المعركة سبيلا لأن يذهب غرور بعض الناس، ويفكروا من جديد في دعوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى دعوة الحق.

ويقول ابن كثير في تاريخه في قتل أبى جهل: «كان قتل أبى جهل على يد شاب من الأنصار، ثم بعد ذلك وقف عليه عبد الله بن مسعود وأمسك بلحيته، وصعد على صدره، حتى قال له: لقد رقيت مرتقى صعبا يا رويعى الغنم. ثم قعد هذا حز رأسه وحمله حتى وضعه بين يدى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فشفى الله تعالى به قلوب المؤمنين، وكان هذا أبلغ من أن تأتيه صاعقة، أو أن يسقط عليه سقف منزل أو يموت حتف أنفه- والله أعلم.

وقد ذكر مؤرخو السيرة أنه فيمن خرج يوم بدر بعض المسلمين الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكنهم بقوا في مكة المكرمة، وهم مؤمنون فخرجوا مع المشركين تقية، كما خرج بعض بنى هاشم وهواهم مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وإن لم يكونوا قد آمنوا من بعد.

ومن هذه الجماعة المسلمة الحارث بن زمعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكه، وأبو قيس بن

<<  <  ج: ص:  >  >>