للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسنمتها، وبقرت خواصرها وأخذ من أكبادها فلم أملك عينى حين رأيت المنظر، فقلت: من فعل هذا؟

قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار، وعنده قينته وهى تغنيه، وجاء في غنائها «ألا يا خمر للشرف النواء ... » فانطلقت حتى دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعنده زيد بن حارثة.. فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم، عدا حمزة على ناقتى فأجب أسنمتها، وبقر خواصرها، وها هو ذا في البيت مع شرب (أى ندامى يشربون الخمر) ، فدعا إلى ردائه، فارتداه، ثم انطلق يمشى، واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذى فيه حمزة، فاستأذن، فأذن له، فطفق النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عينه فنظر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه، ثم صعد النظر، فنظر إلى وجهه، ثم قال:

وهل أنتم إلا عبيد لأبى، فعرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه ثمل، فنكص على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا معه. هذا لفظ البخارى في روايته.

سقنا هذا الخبر لأن فيه خبرا عن زواج فارس الإسلام على بن أبى طالب وقد كان يناهز الرابعة والعشرين من عمره، وإنا نتيمن دائما بذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وآله الأبرار.

والخبر يدل فوق ذلك على أمور:

أولها: أن عليا المجاهد العظيم، ما كان عنده مال لعرسه، فخرج يجمع المال من جوف الصحراء ليستعين بجهده على ذلك، وهو ابن عمه، وربيبه الذى رباه.

ثانيا: أنه يصرح بأن الناقتين من نصيبه في الخمس الذى كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وآله، فدل هذا على أن أنفال بدر خمست ولم توزع بالتساوى، كما ادعى أبو عبيد في كتابه الأموال.

وثالثها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في هذا الوقت المثير، لم ينس الاستئذان، فاستأذن على الشرب.

ورابعها: ما تفعله الخمر في النفوس، فمحال أن يصدر عن أسد الله حمزة في صحوه ما صدر عنه.

وخامسا: أن الخمر لم تكن حرمت تحريما قاطعا، ولم يكن قد تبين حكمها بيانا شافيا.

وأنها تغرى بالعداوة والبغضاء، وكادت توجد العداوة بين على وحمزة، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وحمزة، لولا أنهم الحكماء الأبرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>