للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان المشركون قد أنهوا الحرب، بما يشبه الفرار عند ما استرد المسلمون جأشهم، واستقاموا لجهادهم، وأخذوا يكيلون لهم، وخافوا على أنفسهم من عودة الوثبة، وأن يحسوهم بإذن الله تعالى كما ابتدأوا، لم ينه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الحرب، ولذا تبعهم بالجند المؤمنين، ولا يجدد الجيش، بل يذهب إليهم بمن كانوا معه، وإذا كان قد فقد من جيشه نحو السبعين، فإنه بقى له فوق ستمائة، وإذا كانوا قد أصابتهم جراحهم، ولكنها لم تثقلهم، وهم بقية السيف وبقية السيف كما قال بطل الجهاد على بن أبى طالب، أبقى عددا.

[خروج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:]

٤٣٠- بعد أن عاد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة المنورة من المعركة التى كانت يوم السبت ١٥ من شوال سنة ثلاث، وكان يوم الأحد في الغداة يدعو جنده للذهاب إلى تتبع المشركين، ورأى صلى الله تعالى عليه وسلم ألا يخرج معه إلا من كان من رجاله في أحد، وقد عرض عليه عبد الله بن أبى ومن رجعوا أن يخرجوا معه، فرفض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخرجوا، وقد فرح المؤمنون بخروجهم وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «لا يخرجن معى إلا من شهد القتال» فاستجاب الذين أخلصوا دينهم لله قرحى على ما أصابهم من جروح وبلاء، وقد روى أن الله سبحانه وتعالى قال فيهم: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (آل عمران- ١٧٢) ..

هذا جانب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم خرج ليتمم المعركة، بطلب العدو الذى أنهى هو الحرب، ورحاها دائرة، ولم يتركوها رحمة، بل لمجرد الرضا بما وصلوا إليه من ثارات غير كاملة، فالأبطال الذين جندلوا مشايخهم ببدر كأبى دجانة وعلى والزبير ما زالت سيوفهم مشهورة عليهم.

والمشركون من بعد أن أنهوا القتال شبه فارين من نهايته، فإنه روى أنهم أخذوا يتلاومون ويقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكة القوم وحدهم، ثم تركتموهم، ولم تبتروهم بل منهم رؤوس يجمعون لكم.

ذلك قولهم بأفواههم، والحق أن رجالات محمد عليه الصلاة والسلام ما زالت فيهم البقية المرهبة، وما زال الإيمان بنصر الله يملأ قلوبهم.

ولقد هم المشركون أن يرجعوا لولا أنهم علموا الوثبة الإسلامية بقيادة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد ابتدأت العودة إليهم عند ما علا النبى عليه الصلاة والسلام بجيشه فوق الهزيمة، وأخذ يذيقهم وبال أمرهم، فانتهوا لما علموا ذلك ورجعوا عن عزمتهم ورضوا بما نالوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>