للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل شوراهم هى التى جعلتهم يواجهون المشركين، وقد كانوا بمنجاة عن ذلك، لو أخذوا برأى الرسول، ولكن الشورى لم تكن سبب الجراح، إنما عصيان القائد، والخروج عما رسم من نظام كان هو السبب المباشر، ولذلك أمره الله سبحانه وتعالى أن يستمر في الشورى، فخطأ الشورى دائما إلى صواب، لأنه يقوى إرادة الأمة، وصواب الاستبداد دائما إلى خطأ، لأنه يضعف إرادة الأمة، وضعف الإرادة يضعف العزيمة ويفسد النفس، وذلك في ذاته خطأ.

ولقد أخذت الرحمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالشهداء من الصحابة، فأمر بأن يدفنوا بدل أن يرسلوا إلى أهليهم، ومن أخذه أهله رده إلى الموطن الذى استشهد فيه، وذلك لكيلا تتبعثر أبدانهم الطاهرة، ولكيلا تثير رؤية ذويهم لهم ألما وحزنا، ولكيلا يتصايح أهلوهم بالندب والنواح، فكانت رحمة الله تعالى بهم أن يدفنوا حيث هم، ليعرف الناس فضلهم، ولقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من بعد يزور مصارعهم، وسلك ذلك أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، رضى الله تعالى عنهم جميعا، وعلى كان يكرم ذرية أهل بدر وأهل أحد، فيزيد في الصلاة عليهم تكبيرات في صلاة جنازتهم.

ولقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يدفن الشهداء، ويجمع في القبر أكثر من واحد، ويختار من كانوا ذوى صحبة بينهم، فيدفنهم في قبر واحد، وكان يقدم في الدفن الأقرأ فالأقرأ، وكلهم شهداء ذوو فضل عظيم ومقام كريم في الإسلام.

وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يمنع أن يبكى أهل الشهيد من بكاء عليه حزنا، وإن كان قد فاز بالشهادة، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: «البكاء من الرحمن والصراخ من الشيطان» .

وكان يبكى بكاء شديدا على عمه حمزة أسد الله تعالى، حتى إنه رأى نساء الأنصار يبكين قتلاهم فقال صلى الله تعالى عليه وسلم حزينا باكيا، «وحمزة ... لا بواكى لحمزة» .

ومن رحمته عليه الصلاة والسلام بأهل الميت أنه منع السيدة العظيمة عمته صفية من أن ترى أخاها حمزة مقتولا، وقد عبثت العابثات من نساء المشركين بجثمانه الطاهر، ومثلوا به.

قال ابن إسحاق: قد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه (حمزة) وكان أخاها لأبيها وأمها، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للزبير: الحقها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فقال لها الزبير، ارجعى يا أمه، إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمرك أن ترجعى. قالت: ولم وقد بلغنى أنه قد مثل بأخى، وذلك من الله فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأخبره بذلك قال: خل سبيلها، فأتته فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>