للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن هذا الكلام إذا اطرحنا عبارات الاب، والألوهية المدعاة، يتبين أنه ينبيء عن المعزى الذى يجيء بعده. وأنه ينطلق ليخلى له الطريق، وأنه يبكت العالم على خطيئته، وهو إنكار نبوة المسيح، ويبكت على بر بالمسيح فى زعمهم، لأنه يبكتهم على ادعائهم ألوهية المسيح وبنوته لله سبحانه وتعالى المنزه عن الصاحبة والولد.

ثم إنه يصرح إلى أنه يدعو إلى الحق جميعه، لأنه أتى بالشريعة كاملة غير منقوصة، خالدة لكل زمان ومكان، ولكمالها كانت هى الخالدة، فمن غير محمد يكون إذن المعزى للخليقة، الذى ينكر الخطايا، وينكر غلو أهل الكتاب فى دينهم؟ إنه محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقد جاءت نصوص الأناجيل الحاضرة بأن المسيح يبشر بالفارقليط، والفارقليط هو أحمد إذ أن ذلك هو المعنى اللفظى للفارقليط «١» .

[على فترة من الرسل:]

٥٥- إن نظرت إلى العالم شرقا فى أقصاه، أو غربا فى أقصاه، أو القريب الداني، أو البعيد النائى، فإنك واجد أن العالم فى حاجة إلى من يهديه من ضلاله، فالفلسفة لا تصلح الناس، ولو استقامت على الطريقة، لأنها إن أقنعت الخاصة لا تملأ نفوس العامة، ولا تهديها إلى سواء السبيل، وهى ما استقامت فما أصلحت أحدا.

والعقائد قد اعتراها التحريف، فاليهود حرفوا التوراة عن معناها، ونسوا حظا كثيرا مما ذكروا به، ونظروا إلى الناس جميعا، على أنهم دونهم، وأنهم ليسوا عباد الله مثلهم، وأن الله تعالى خالقهم كما خلق غيرهم، بل زعموا أنهم المختارون وأن كل الناس دونهم، وبذلك عاثوا فى الأرض فسادا، ولما ذلوا وهم على الاعتقاد بأنهم شعب الله المختار، حقدوا على الخليقة وعملوا بكل الوسائل للكيد لغيرهم غير متحرجين ولا متأثمين، بل إنهم يغرون بالعداوة بين الناس، وينشرون الفساد فى غير تحفظ، ولا مراعاة لأى جوار فى أى مكان، فكان لابد من نبى يأتى بدين قوى يكفكف غرورهم وينهنه من غلوائهم.

والنصرانية انحرفت، وخرجت عن مباديء المسيح وغلوا فيه، واستبدلوا بأدب المسيح وسماحته استعلاء واستكبارا فى الأرض وعتوا وفسادا. فكان لابد من رسول بشير ونذير، يهدى إلى الحق وإلى صراط مستقيم.

يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. «٢»


(١) قد كتب بعض تلاميذنا المسيحيين كتابا قيما يبين فيه بعض نصوص الأناجيل بنبوة المسيح عليه السلام، وقد طبع.
(٢) سورة المائدة: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>