للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه توصية أبى بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا بد أن تكون بهدى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولذلك ننفى أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد قطع نخيل بنى النضير، فمحال أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمر في موضع، وأبو بكر ينهى بإطلاق، ولأن القرآن الذى نزل في واقعة الجلاء لم يذكر قطع النخيل، وهى الأصول بل الذى فيه أنه قطعت ثمار، وبقيت أخرى على أصولها قائمة.

ولكن مع ذلك لما اشتدت لجاجة الحروب بين المسلمين والمشركين أو الكفار بشكل عام اختلفت الفقهاء في جواز التخريب في أرض العدو من قطع أشجار، وتهديم بنيان، وذبح الحيوان لغير مأكلة، أو إهلاكه بشكل عام.

فكثيرون من الفقهاء أجازوه، لأن الحرب لا تبقى ولا تذر، ولأنه إذا أبيحت الأنفس، فكيف يصان ما عداها وهو دونها، ويستندون في ذلك إلى أخبار نسبت للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم في غزواته.

أولها: وهو في قصة بنى النضير أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بتخريب بنى النضير، وقال الله تعالى في ذلك يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ.

ثانيها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بأن يحرق قصر مالك بن عوف، وقد كان أميرا لجيش المشركين في الطائف، ورمى بالمنجنيق حصنا للطائف.

ثالثها: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقطع كروم العنب لثقيف في الطائف، وقد ذكر في المغازى أنهم عجبوا عند إرادة قطعها، وقالوا: «كيف نعيش بعد قطعها» .

هذه حجج الأكثرين من الفقهاء الذين قالوا ما قالوا تحت سلطان لجاجة الحروب وشدتها، وعدم تحرجها من قبل المشركين.

أما الفريق الآخر من الفقهاء وإن لم يكونوا الأكثر فقد تمسكوا بقول الصديق الذى لا يمكن أن يخرج عن قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ولا عن عمله، فمنعوا التخريب، وعلى رأس هذا الفريق فقيه الشام الأوزاعى، فقد قرر أنه لا يجوز التخريب إلا إذا ألجأت إليه ضرورة حربية، كأن يتحصن المحاربون بحصن ولا يمكن الوصول إليهم إلا بهدمه، أو تكون الأشجار غابة كثيفة، قد اتخذوها مستترا يكمنون للمسلمين فيها، وينقضون عليهم من مساترها.

<<  <  ج: ص:  >  >>