للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولننقل لك الحديث لتعرف ما كانت تجري به الأمور، وما كان يسري في النفوس.

قال حيي: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر، وببحر طام، جئتك بقريش علي قادتها وسادتها حتي أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان علي قادتها وسادتها حتي أنزلتهم علي جانب أحد، قد عاهدونى وعاقدوني علي ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه.

قال له كعب: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماؤه (أي بسحاب قد نزل ماؤها) فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا.

فلم يزل حيي يتحايل بالقول، ويفتل بالذروة والغارب حتي سمع له واستجاب لما يطلب، وبذلك كشف طبع اليهودي، فهو لا يفي بعهد شرفا وكرامة ولكن يفي مضطرا خوف الذل والمهانة، ولذلك وافق عند ما أقنعه بأن القوة مع قريش، وأمنه علي مستقبله، فأعطاه عهدا وأعطاه ميثاقا قائلا له: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك، حتي يصيا بني ما أصابك.

اطمأن كعب، فنقض العهد. وهو من شيمته، وما كان التمسك إلا حرصا منه علي نفسه، وخوفا عليها، فأتاه الشيطان من ناحية نفسه، فاقتنع، والعداوة فيه أصيلة.

ولذلك سرعان ما انضمت قريظة إلي الأحزاب التي جاءت من المدينة وكان ذلك فيما بينهم وبين حيي، وعمل علي أن يبلغه لقريش ومن معهم.

ولكن وصل الخبر إلي النبي صلي الله تعالى عليه وسلم، وهو الحذر الحريص الذي لا يؤتي من غفلة صلى الله تعالى عليه وسلم.

أراد النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أن يستوثق ليكون الخبر كالعيان فأرسل إلي بني قريظة سيد الأوس سعد بن معاذ، وسيد الخزرج سعد بن عبادة ومعهما عبد الله بن رواحة. وقال لهم: انطلقوا حتي تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقا فالحنوا إليّ لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا علي الوفاء فيما بيننا فاجهروا به أمام الناس.

ذهبوا إليهم فوجدوهم علي أخبث حال، نالوا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنكروا العهد وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، وقالوا منكرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم يطق سعد بن معاذ صبرا فشاتمهم وشاتموه، وقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أدني من المشاتمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>