للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءهم الخوف وقد سكن قلوبهم، وجاءت الريح تزعجهم، حتى أن أبا سفيان يقول: لقينا من شدة الريح ما ترون! ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا، فإنى مرتحل.

ارتحلوا مذعورين مخذولين، وتركوا من ورائهم متاعهم.

وما نالوا من المؤمنين، فقد قتلوا بالنبال من المؤمنين ستة، وقتل المؤمنون منهم ثلاثة فيهم عمرو بن عبدود، الذى كان يعد بالعدد من الرجال، ولا يعد بالواحد، قتله فارس الإسلام على بن أبى طالب ولننقل ما ذكر الله تعالى في بيان ختام الواقعة، ونكرر التلاوة إذ تلوناه من قبل:

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (الأحزاب- ٢٥) .

قال الله تعالى في أثناء وصف القصة، وبيان نتائجها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً.

وبذلك انتهت معركة الأحزاب، التى اهتزت لها الجزيرة العربية كلها، ونادت بالويل والثبور، وأنها مقتلعة الإسلام من موطنه، فباؤا بخسران مبين، منهزمين في الميدان، ومضطربين في نفوسهم، وقد رأوا من آيات ربهم الكبرى ما رأوا.

فقد جاء في كتاب مغازى الواقدي: لما ملت قريش كتب أبو سفيان كتابا وبعثه مع أبى سلمة الخشنى. جاء فيه:

باسمك اللهم، فإنى أحلف باللات والعزى وأساف ونائلة وهبل، لقد سرت إليك في جمعنا، وإنا لا نريد ألا نعود إليك أبدا، حتى نستأصلكم، فرأيناك قد كرهت لقاءنا، فجعلت مضايق وخنادق، ليت شعرى من علمك هذا، فإن نرجع عنكم، فلكم منا يوم كيوم أحد تنتصر فيه النساء.

فكتب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

من محمد رسول الله إلى أبى سفيان بن حرب. أما بعد فقد أتانى كتابك، وقد غرك بالله الغرور.

أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر الله يحول بينك وبينه، ويجعله لنا حتى لا تذكر اللات والعزى، وأما قولك من علمنا الذى صنعنا من ذلك، فإن الله ألهمنى ذلك، لما أراد من غيظك، وغيظ أصحابك، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى، وأساف ونائلة وهبل حتى أذكرك ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>