للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذى يطلقنى، فلما مر عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.

وقد أقام أبو لبابة رابطا نفسه بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة، فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع، وقالوا إنه نزل فيه قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً، وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة- ١٠٢) .

وهكذا حكم الضمير، أو النفس اللوامة تحس بذنوبها لتتوب، وترجو المغفرة فتذل لله سبحانه وتعالى، ولقد قال الصوفية «إن معصية، أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة، أورثت دلا وافتخارا» «١» وكذلك كانت نفس أبى لبابة الذى ما كذب، ولكنه ظن أنه خان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أخبر بالحكم قبل صدوره، وبالأمر قبل ظهوره.

رابعها: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث بسبايا بنى قريظة إلى نجد فابتاع بها خيلا وسلاحا، وذلك ليكون منها قوة للمسلمين، وإعداد للعدة لقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ.

وقد اختار صلى الله تعالى عليه وسلم من نسائهم ريحانة بنت عمرو إحدى نساء بنى قريظة لنفسه وأراد لها الإسلام فتعصت عنه، وأبت أن تدخل في الإسلام، زاعمة أنها تبقى على اليهودية، ولكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكرهها، ولم يصنع ما قد يكون إغراء مانعا من اختيار سليم حر، ولكنها جاءت إليه من بعد ذلك طائعة فأسلمت، فسر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من إسلامها، وقد عرض عليها صلى الله تعالى عليه وسلم أن يعتقها، ثم يتزوج منها زواج الحرة المختارة، فاختارت أن تستمر على رقها، ليكون أسهل عليها، إذ لا تتحمل واجبات الزوجية، فلم تزل عنده إلى أن توفى صلى الله تعالى عليه وسلم. ولم تذكر بين أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم.

٤٧٩- وإن قصة سبى نساء بنى قريظة تدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أنشأ الرق على أعدائه في ميدان القتال، لتكون المعاملة بالمثل، إذ لو أسروا من المسلمين لا سترقوا، والله تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (البقرة- ١٩٤) وإن المشركين كانوا يسترقون من غير قتال، فقد ذكرنا أنهم أخذوا بعض المسلمين غدرا، وباعوهم في مكة المكرمة، وسامهم أهل مكة المكرمة سوء العذاب، فلا تثريب على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أخذ من بنى قريظة سبايا، وباعهن بخيل من نجد.


(١) القول لابن عطاء الله السكندري: (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>