للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفداء، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب» من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال: «يا محمد، أصبتم ابنتى، وهذا فداؤها» فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا» فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، فو الله ما اطلع على ذلك إلا الله تعالى.

أسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين، فجاء بهما الرسول؛ فدفع الإبل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت، وحسن إسلامها، فخطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أبيها، فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم.

وقد أعتق بعد ذلك كل من كان في يده واحد منهم، وقالوا: أنسترق أصهار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

هذا ما قاله ابن هشام، ولم يذكر الرواية التى اعتمد عليها، وإن كانت الصحاح توميء إلى ذلك، وإن لم تفصله ذلك التفصيل، وهذا الخبر يدل على أن الرق لم يكتب على أم المؤمنين جويرية.

ولكن ابن إسحاق روى عن أم المؤمنين ما يفيد أن رقا قد كتب عليها، وإليك ما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها، وإليك ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة قالت: «لما قسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سبايا بنى المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مستعينة في كتابتها ... فدخلت؟ فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث، سيد قومه، وقد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسى، فجئتك أستعين على كتابتي، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «هل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضى عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت» .

وإن الفارق بين الروايتين أن ما ذكره ابن هشام، أن أباها هو الذى زوجها من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه لم يجر عليها الرق إذ افتداها أبوها بالإبل، وذكر فيها الصداق، وهو أربعمائة درهم، أما رواية ابن إسحق فكتبت أن الرق قد كتب عليها، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دفع عنها ما كاتبت عليه.

ونحن نرى أن سياق ابن هشام أكثر انسجاما، واتساقا مع أحكام الإسلام، إذ أن وليها هو الذى زوجها، وذلك مبدأ مقرر في الإسلام، ولم يجز للمرأة أن تعقد زواجها بنفسها إلا أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه، وخالفه جمهور الفقهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>