للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاح، ولذا قيل أنه نزل في هذا الموضع قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات- ٦) والله أعلم بما تخفى الصدور.

[حديث الإفك]

٤٩٥- اختصت غزوة بنى المصطلق بأن جاء في أعقابها أمور تتبعها أحكام لسياسة الجماعة، وإصلاح النفوس ومداواة مرضى القلوب.

فكان فيها معاملة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لمن وقعوا في الأسر والسبى بعد أن أثخن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في محاربيه، وقد كان عمله يتجه إلى المن بدل الفداء وقتل الرجال وسبى النساء، وعمل الرسول سنة متبعة، فهو لا يفرض الرق إلا إذا كان يتوقع أن تكون بينه وبين من أسر منهم حرب، وقد كان يتوقع مع اليهود حربا قد يأسرون من المسلمين فيها، فيسترقون ويسبون فعاملهم بما يتوقع أن يعاملوا بمثله، والحرب بينه وبينهم لم تنته بعد، ولم يثخن في قوتهم، بل لا تزال لهم قوة مرهوبة ولم يكن يتوقع من بنى المصطلق من بعد ذلك حربا، وكان في أثنائها نفاق المنافقين الذين اتجهوا إلى إشعال فتنة بين المهاجرين والأنصار وهم قوة الإسلام، وقد عالج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأمر بالترفق بالمنافقين، حتى ينكشف أمرهم ويلفظهم قومهم، ويكون تأديبهم من أهليهم، ثم لا يكون لنفاقهم قوة التأثير، إذ لا يخدع بهم أحد من أهل الإيمان، وينالهم الضلال، وبذلك بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كيف يعامل المنافقون بتركهم، حتى يذوى عودهم من ذات نفسه مع التحذير منهم.

والأمر الخطير في ذات نفسه، وكان فيه إيذاء للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأهله، وهو حديث الإفك، الذى كان في ذاته إثما عظيما، وفي آثاره خطيرا في المجتمع، إذ من شأنه أن يشيع الفاحشة في المجتمع، ويدنسه بظهور الرذيلة فيه، وفوق ذلك فيه هجوم على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وفيه استهانة بمقام صاحب الرسالة الذى كرمه الله تعالى في السموات وفي الأرض، وقال الله تعالى في شأنه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب- ٢١) .

وقد اشترك في هذا الحديث المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبى الذى قالت فيه أم المؤمنين عائشة الطهور: إن الذى تولى كبره عبد الله بن أبى.

وكان مع المنافقين زلل لبعض المهاجرين والأنصار، فلم تنزه فيه ألسنة أهل الإيمان من قبيل الاستهانة بالأخبار، وقبولها من غير تمحيص، ولا التفات لمغزاها ومرماها، بل كان تشهيا للحديث مجردا

<<  <  ج: ص:  >  >>