للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نقول إنه بلا ريب لم يرض على عاطفتها، ولكنها في ظنى ما أبغضته، وإن خالفته على كلام في ذلك، وإن الدليل على أنها لم تبغضه أنه عند ما نعى إليها ذهبت إلى قبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقالت: جئت أنعى إليك أحب أصحابك إليك، جئت أنعى إليك صفيك المجتبى، وحبيبك المرتضى، على بن أبى طالب.

وما كان من شأنها أن تبغض أحب أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليه، فرضى الله عنها وكرم الله وجهه.

[حد القذف]

٥٠٠- أحسب أن حد القذف قد شرع لهذه المناسبة التى شاعت فيها قالة السوء، وحديث الإفك، لأن الآيات جاءت متصلة بعضها ببعض، إذ أنه ذكر فيها نصاب الشهادة بالزنا، وهو أربعة شهداء وأنه إذا لم يكن الشهداء الأربعة، فإن الرامى بالزنا يكون كاذبا، وهذا الحد هو جزاء الكذب، وقد ذكر الله تعالى الحد في قوله تعالى:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، وَأَصْلَحُوا، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ونلاحظ أن الآية دلت على عقوبة أصلية مادية، وهى ضربهم ثمانين جلدة، وذكرت عقوبتين تابعتين معنويتين.

إحداهما: ألا تقبل لهم شهادة أبدا، لأنهم كذبوا في مقام يجب الاحتراس فيه، ولأن الله تعالى وصفهم بأنهم الكاذبون، وحصرهم في وصف الكذب فقال تعالى: لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ، وكيف تقبل شهادة من حصر فى الكذب بحكم الله تعالى، ولذلك منع قبول شهادتهم أبديا، فقال تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً.

الثانية من العقوبات التبعية وصفهم بالفسق، وهذا الوصف يستمر إذا لم يتوبوا، فالاستثناء بالتوبة إنما هو من وصف الفسق، فلا يكون التائب توبة نصوحا فاسقا، بل لا يكون مذنبا، لأن التوبة تجب الذنوب، كما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (طه- ٨٢) .

ولقد طبق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حد القذف على مسطح وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش التى منعها دينها من أن تخوض في حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>