للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى عليه وسلم، فأرسلوا له مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بنى عامر بن لؤى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما رآه مقبلا: هذا رجل غادر، وقد كلمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأنه ما جاء للقتال، ولكن لزيارة البيت.

ومع أن قريشا لا تريد حتى زيارة البيت أرسلت حليس بن علقمة، وكان يومئذ سيد الأحباش الذين كانوا يعينونهم في القتال فلما رآه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال عليه السلام: إنه من قوم يتألهون- أى يذعنون- لظاهر العبادة، فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه، فلما رأى ما يسيل عليه من عرض الوادى من قلائد أشعرت بأنه هدى للحج، قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله.

اكتفى حليس بالنظر إلى الهدى عن المحادثة، فرجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إعظاما لما رأى. حدثهم بما رأى فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابى لا علم لك.

غضب الحليس عند ذلك، وقال:

يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أفصد عن بيت الله تعالى من بعد ما جاء معظما له، والذى نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد.

فقالوا لحليس: مه، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ما زالوا طامعين في أن يكون لهم من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما يرضيهم من غير أن يقاتلوه، فأرسلوا إليه عروة بن مسعود الثقفى، وقد ذكر لقريش أنه بمنزلة الولد، لأن أمه كانت من بنات عبد شمس، وقد ذكر من جاء إليهم بعد لقائه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنهم لقوه بالتعنيف وسوء الحظ كما قالوا لبديل الخزاعى، وكما قالوا للحليس سيد الأحباش، تبين أن صلتهم به وثيقة، وأنه سيكون أمينا في رسالته مع رغبته في نصرتهم، وقال في ذلك: قد سمعت بالذى نابكم، فجمعت من أطاعنى من قومى ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسى، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم.

خرج عروة بن مسعود هذا، وقد اطمأن إلى ثقتهم به، حتى أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال: جمعت أوشاب الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك لنقضها (أى يكسرها لهم) .

إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل «١» قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، والله الكافى بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا.


(١) العوذ المطافيل، النوق التى معها أولادها، والعوذ جمع عائذ، وهى هنا الناقة أى الناقة ذات الأطفال.

<<  <  ج: ص:  >  >>