للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَكَثَ، فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (الفتح- ١٠) .

ولقد كان من الفتح المبين أن نقيت جماعة الإسلام ممن لم تستقم قلوبهم وتكون خالصة للحق لا تبتغى سواه، ولذلك لم يخرج مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديبية إلا من أراد الله سبحانه وتعالى، وأراد الحج، لا المغانم وما وراءها. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى فيهم في سورة الفتح: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ، قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ، فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (الفتح- ١٥) .

ولقد أشار سبحانه وتعالى إلى الذين يستقبلهم المسلمون من أولى البأس والشدة، ولقد كان الذين خرجوا للاعتمار تعرضوا لاحتمال الحرب فتضافروا وبايعوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن يبيعوا أنفسهم لله تعالى، ولا يفروا، وقال سبحانه وتعالى ما تلونا من قبل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ، وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً

(الفتح- ١٨، ٢٠) .

وإنه كانت الحديبية التى سماها الله تعالى الفتح المبين سبيلا لأن يتجه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى اليهود وينفرد لهم، ثم بعد ذلك يكون الاتجاه إلى الرومان، كما قال الله سبحانه وتعالى:

سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (الفتح- ١٦) .

وأولئك هم الرومان، والدخول إلى أرض الشام.

وإن الغاية توجب تحمل الوسائل، ولو كانت قاسية على النفس، وما كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتجه إلى اليهود، وخضد شوكتهم في البلاد وقد اتخذوها للأذى والإيقاع ولم ينفع عهد ولا ذمة. ما كان أن يتجه إلى أولئك، وشوكة قريش تجرح من وراءه، فلابد أن يؤمن ظهره بعهد، ولو كان فيه ما توهمه بعض المؤمنين غبنا فاحشا، ولكنه الطريق المستقيم لتوجيه الدعوة الإسلامية إلى مواطنها.

وإن ذلك تصديق رؤيا النبى عليه الصلاة والسلام التى رآها، بأنه سيدخل المسجد الحرام، ولكنها لا تتحقق واقعة إلا في عام قابل، وكان ذلك الصلح، فقد قال الله سبحانه وتعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>