للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الثانى: الشطط في شروط قريش، وفي إملاء العقد، وأشد شطط وغبن أن من خرج مسلما لا يقبله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل يرده إلى وليه، ومن عاد إلى مكة المكرمة مرتدا لا يردونه، فقد كان ظاهر الشرط أن فيه غبنا على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ فيه عدم مساواة، ولكن إن نظرنا إلى الشطر الثانى وهو عدم رد من يخرج من الإسلام إلى الشرك، فإنه عند التأمل لا نجد فيه ضررا على المسلمين فما حاجة الإسلام إلى مرتد حائر، فليذهب إلى حيث شاء، بدلا من أن يكون شوكة في المسلمين، وقد يرضى أن يبقى منافقا، وينضم إلى صفوف أهل النفاق، فيكون عينا على المسلمين وعلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وأما بالنسبة للجزء الأوّل من الشرط، وهو أن من خرج من مكة المكرمة مسلما يرد إلى وليه، فقد كان بلا شك شاقا في ذاته، وخصوصا عند ما دخل عليهم أبو جندل يرسف في قيوده.

وإن هذا الجزء من الشرط وإن كان شاقا في مظهره صعب التحمل إلا لمن كان قوى الإيمان، فإن تطبيقه أدى في نتائجه إلى الضرر على المشركين، ولم يضار به النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنون، حتى إن المشركين الذين كان الشرط من جانبهم ولمصلحتهم هم الذين طلبوا إلغاءه.

ولنذكر تطبيقه كما أوضحت كتب السيرة وصحاح السنة:

كان أوّل من طبق عليه الشرط أبو بصير عتبة بن شيد بن جارية، وكان ممن أسلم وحبس بمكة المكرمة، وقد استطاع أن يخرج من محبسه، وأراد الذهاب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فكتب إليه بعض المشركين يطلبون تسليمه بمقتضى الشرط وبعثوا رسولين يتسلمانه، وهما رجل من بنى عامر ابن لؤي، ومولى له، فقدما على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعنده أبو بصير فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا» قال: يا رسول الله أتردنى إلى المشركين يفتنوننى في دينى. قال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم: «يا أبا بصير انطلق، فإن الله تعالى سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا» .

انطلق معهما، واندمج معهما في الحديث، وأظهر الاستسلام، حتى اطمأن إليه العامري، فقال: يا أخا بنى عامر أصارم سيفك هذا؟ قال نعم، قال أنظر إن شئت، فاستله أبو بصير، وأراد أن يختبر صرامته ثم علاه به حتى قتله، فولى المولى مسرعا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو جالس فى المسجد، فقال: إن هذا الرجل قد رأى فزعا، ثم قال له: ويحك مالك؟ قال إن صاحبكم قد قتل صاحبي، وبينا هو يشرح حاله، وكيف قتل العامري، طلع أبو بصير متوشحا بالسيف حتى وقف على

<<  <  ج: ص:  >  >>