للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولهما: أنها لا تملك قبل القسمة، ولذلك صرح النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى غزوة خيبر أنه لا يجوز بيع من له فيها قبل أن يقسم له قسم ويدخل فى حوزته، ولذا قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيما روينا من قبل ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين، حتى إذا أعجفها ردها فيه، ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين، حتى اذا أخلقه رده. وهذا الحديث يدل على أنه لا يملك. ولا يصح أن ينتفع به قبل القسمة.

الأمر الثانى: الذى يجب التنبيه عليه أن الطعام الذى لا يدخر، لا يخمس، لأنه لا يعد غنيمة، ولأنه يدفع غائلة الجوع الذى يصيب المجاهدين، وحال مغبة الجوع، وكان الجوع يصيب المسلمين فعلا فى غزوة خيبر، وإنه إذا لم يتناول قبل القسمة كان الناس فى مخمصة، والطعام بين أيديهم، وإن ذلك ابتلاء فوق الابتلاء بالجهاد والصبر على شدائده.

يروى ابن إسحاق بسنده عن عبد الله بن مغافل المدنى أنه قال: «أصبت من خيبر جراب شحم فاحتملته على عنقى إلى رحلى وأصحابى، فلقينى صاحب المغانم الذى جعل عليها، فأخذه بناحيته، وقال: هلم، حتى تقسمه بين المسلمين، قلت: لا والله لا أعطيه وجعل يجاذبنى الجراب، فرآنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتبسم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: خل بينه وبينه، فأرسله، فانطلقت إلى رحلى وأصحابى فأكلناه» .

وهناك أمر يجب التنبيه عنه، وهو غلول الغنيمة، فهو محرم تحريما قاطعا، لأنه سرقة فى مال الله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.

وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا يمكن أن يغل، وليس من شأنه وكماله أن يغل هو، أو يقر غلول أحد، أو يسكت عنه، والغلول الأخذ من الغنيمة خفية، وإذا كان لا ينطبق عليه حد السرقة، لأن مال الغنائم ليس فى حرز مثله، ولأن المحارب له شبهة حق فيه، والحدود تدرأ بالشبهات، فإنه شدد الله تعالى فى عقوبته فى الآخرة. وفى غزوة خيبر، بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شدة العقوبة فى الآخرة.

وقد كان بين المحاربين رجل اسمه مدعم، وقد أخذ من الغنائم شملة، وفتش متاعه بعد مقتله فوجد فيه مع الشملة خرزا من خرز يهودى يساوى درهمين، وهو غلول مهما تكن قيمته.

وقد جاء سهم فقتله وهو بوادى القرى، فقال الناس: هنيئا له بالشهادة فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «كلا والذى نفسى بيده أن الشملة التى أخذها يوم خيبر لم يصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا» فأخرجه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من صفوف الشهداء بفعلته التى فعلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>