للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كان فى خيبر أن نام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أشرقت الشمس، وقد وقف حارسه ينبهه إذا نام، ويوقظه إذا استغرق الناس، فضرب الله تعالى على آذانه أيضا فنام ولم يوقظ حتى أشرقت الشمس، ومع أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم، ففى خيبر استغرق صلى الله تعالى عليه وسلم فى النوم بعينه. وإن كان قلبه يقظا لم ينم، وذلك ليعلن الله تعالى إنسانيته، وليكون عمله أسوة للناس فى تدارك ما فاته، لأن المؤمنين يتخذونه أسوة حسنة، ولأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: صلوا كما رأيتمونى أصلى، فهو يبين لهم الصلاة فى حال الأداء وحال القضاء معا.

ولنذكر قصة ذلك، كما جاءت فى صحاح السنة وفى كتب السيرة- فى غزوة خيبر: روى أبو داود بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين قفل راجعا من خيبر، سار ليلا حتى أدركنا الكرى، وقال لبلال اكلأ الليل، وبلال يحرسه، وغلبت بلالا أيضا عيناه، وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال: يا بلال، فقال: أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك بأبى أنت وأمى يا رسول الله. فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأمر بلالا، فأقام الصلاة، وصلى بهم الصبح، فلما أن قضى الصلاة قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: «وأقم الصلاة لذكرى» وإن هذا الحكم يستفاد منه أمران:

أولهما: وجوب قضاء الصلاة إذا فاتته بنوم أو نسيان مما لا قبل له بدفعه كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم «من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها» .

ثانيهما: أن قضاء الصلاة كما يكون بالانفراد يكون بأدائها جماعة مع إقامة الصلاة، وذلك بلا ريب هو الأفضل، لأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، فالجماعة لا تسقط عند القضاء، كما يتوهم بعض الناس.

ويجب أن نبين هنا أن بعض الفقهاء يقرر أن القضاء يغنى غناء الأداء فى حال فوات الصلاة بالنوم والنسيان، ولا يغنى القضاء غناء الأداء إذا كان فوات الأداء من غير هذين العذرين. ويكون القضاء واجبا فى هذين العذرين ولا يكون واجبا فى غيرهما.

بل إن التوبة تكون هى الرافعة للإثم، والقضاء لا يغنى عنها، وذلك لأن فوات الوقت وترك الصلاة من غير عذر لا يسقط وجوب أدائها، فلا يغنيه فتيلا القضاء بعد ذلك، لأن الصلاة ليست نقدا يكون فى مقابل نقد، إنما الصلاة شرعت تهذيبا للنفوس فى مواقيتها، فهى عبادة مقصودة فى أوقاتها لتجلو

<<  <  ج: ص:  >  >>