للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان فى خلقه طيبة نفس، واطمئنان قلب، ورضا بما يجرى به القدر مع استعداد للفداء، إن كان ما يقتضيه، لم يتردد أن يقدم نفسه لأبيه ليوفى بنذره، فاستعد لأن يذبح، فكان الذبيح الثانى بعد جده العظيم إسماعيل، وإذا كان فداء إسماعيل بذبح عظيم كان من أمر الله تعالي، لأن الله تعالى اختبر إبراهيم بما رأى فى المنام، ومادام الاختبار، فالفداء يكون بأمر الله تعالى ونهيه. أما ذبح عبد الله، فكان بنذر من عبد المطلب، فكان الفداء برأى أهل مكة، فما كان من البشر يكون منهم، وما كان من الله تعالى، فالأمر إليه، وكان لجمال وجهه، ولطيب نفسه، موضع اجتذاب الناس، ومحبتهم، فلم يسلموه لأبيه، وقد أراد قتله، ونجوه من يد أبيه الشفيق الحازم المريد القوى فيما يريد، وإن كان شديدا عليه.

وكان موضع اجتذاب النساء لوسامته وجاذبيته، ولكنه كان العفيف الذى لا يريد إلا الحلال، ولا يبتعد عنه، وكأنه يبتعد عن الحرام مروءة، وكرامة نفس، لا لتنفيذ أوامر إلهية، بل أمر مروءته واحتفاظ كرامته يستجيب لهما، كأوامر المصادر الدينية.

تعرضت له امرأة، راقتها وسامته، وجذبتها طيبته، فأرادته لنفسها، وربما راودته عن نفسه، ولكنه العيوف الذى لا يشتار إلا عسلا يملكه حلالا نكاحا، ولا يريده نزوة أو سفاحا، فيردها الشاب القوى الذى لا يستهواه الهوى قائلا:

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه

فكيف بالأمر الذى تبغينه ... يحمى الكريم عرضه ودينه

صان الشاب نفسه، وصان أمانته، وصان خلقه وكرامته، فلم يتدل كما تدلى الشباب من قومه، لأنه أراد أن يعيش طاهرا كريما محبوبا، لينقل وديعة الله تعالى للإنسانية الذى ينقل رسالته سبحانه وتعالى إلى خلقه وذلك بزواج طاهر حلال.

[الأم:]

٦٩- كل فتاة فى قريش كانت تتمنى أن يكون الشاب عبد الله بن عبد المطلب شيبة الحمد أن يكون لها زوجا، وأن يكون لأولادها أبا، وقد قارب العشرين أو يزيد من عمره، عفيفا، لم يزن بريبة، ولم يعرف عنه نزوع إلى شر، بل كان ينزع إلى الخير، ولا يزيد، ولأبيه عليه حق الطاعة فى غير معصية، إذ كان له ملازما، لا يستطيع له فراقا، ولا خلافا. لأنه حب أبيه، وصفيه المختار.

وقد اختار أبوه له زوجا امنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أخى قصي، وابن كلاب، وكان أبوها سيد بنى زهرة، كما كان عبد المطلب سيد بنى قصي، ثم سيد مكة جميعها غير منازع، لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>