للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان لهم عين بالمدينة المنورة فذهب وأخبرهم بسرية الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وحذرهم فجمعوا جموعا كثيرة.

فجاء ابن أبى العوجاء وهم مستعدون، فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتجمعهم دعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوهم بالقول الرافض، ولكن أجابوهم بالعمل المقاوم، فرموهم بالنبل، وقالوا لا حاجة لنا إلى ما دعوتم إليه.

وجعلت الإمدادات تجيء إليهم، حتى أحدقوا بالخمسين فارسا من المؤمنين من كل جانب، وقاتل المؤمنون قتالا شديدا، حتى قتل أكثرهم، وأصيب ابن العوجاء بجراحات كثيرة، فتحامل حتى رجع بمن بقى من أصحابه.

وهكذا كانت التضحيات فى سبيل الدعوة من أهل الغدر والنفاق.

[إسلام خالد بن الوليد]

٥٦٧- قلنا أن عمرة القضاء كانت فرصة لتقريب البعيد، وإيناس الغريب عن الإسلام بمبادئه، والربط بالمودة، وإذا كانت نفوس جافية لم تستجب لداعى المودة والرحم، فإن العقلاء قد سرت إلى نفوسهم دعوة الحق، وأخذوا يرون الإسلام فى علاء، وعرفوا ذلك من منطق القوة، ومنطق الهداية ومنطق العقل، وقد زالت الغمة، وكشفت الحقائق، وكان من هؤلاء وعلى رأسهم خالد بن الوليد، الذى سمى بحق من بعد سيف الإسلام، وإن لم ينل مرتبة المجاهدين الأولين والبلاء بلاء، والقوى كلها تكاتفت على المسلمين.

لقد كانت نفس خالد المدركة التي تحس مائلة عن الشرك إلي دعوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان يرى أنه يخوض في الدفاع عن الشرك إلي غير غاية.

ولنترك الكلمة، لما روى خالد بن الوليد فى حديثه عن إسلامه.

قال: لما أراد الله تعالي بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام، وحضرني رشدي فقلت، قد شهدت هذه المواطن كلها علي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فليس لي موطن أشهده- أو أنصرف وأنا أري أني موضع في غير شيء، وأن محمدا سيظهر، فلما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلي الحديبية خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول الله بأصحابه بعسفان، فقمت بإزائه، وتعرضت له، فصلى الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليهم، ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خير. فاطلع علي ما في أنفسنا مما ألهم به، فصلي بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف، فوقع ذلك منا موقعا فقلت:

الرجل ممنوع فاعتزلنا، وعدل عن سير خطنا وأخذ ذات اليمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>