للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لينزع منه الراية، وفى رواية أنه أعطاها عليا، وفى رواية أعطاها الزبير بن العوام، والرواية المشهورة أنه أعطاها قيس بن سعد بن عبادة، لكيلا يكون فى نفس سعد بن عبادة شيء من نزعها، إذ أنها أعطيت لابنه فأخذت منه إليه، ولأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يريد ألا يحمل راية الأنصار إلا أنصارى لتكون حمية الأنصار وليكون لهم مقام الفتح برجالهم وبقيادتهم، والرواية التى تقول أنه عليه الصلاة والسلام أعطاها عليا، قامت على أن عليا هو الذى نزعها منه، ولعل الزبير هو الذى أعطاها قيسا، بأمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وبذلك تتلاقى الروايات الثلاث؛ وتكون الراية انتهت إلى ابن سعد.

[دخول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة:]

٥٩٦- دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة، ومعه لواء أبيض، وعليه عمامة سوداء وهو يقرأ سورة الفتح وهو راكب على ناقته، وكان يرجع فيها، فهو يترنم بها، ويرجع كلماتها مستطيبا ألفاظها ومعانيها، وقد خفض رأسه متواضعا لله تعالي، ولما انتهى إلى ذى طوى اعتجر بشقة بردة حبرة حمراء، وإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله تعالي، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى عثنونه لتكاد يمس الرحل.

ويروى أن رجلا كلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم الفتح فأخذته الرعدة، فقال الرسول الذى يزيده التواضع عزا، أو كما قال: «هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد» .

وإن العزيز الكريم لا تزيده القوة إلا تواضعا، يقول فى ذلك ابن كثير «وهذا التواضع فى هذا الموطن عند دخوله مكة المكرمة فى مثل هذا الجيش الكثيف العرمرم بخلاف ما اعتمده سفهاء بنى إسرائيل حين أمروا أن يدخلوا باب بيت المقدس، وهم سجود أى ركع يقولون حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة» .

وأنى يكون بنى إسرائيل الذين تطغيهم النعمة من محمد الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، الذى تدفعه النعمة إلى التواضع، فيقوم بحقها وشكرها، فشكر كل نعمة، نعمة من نوعها، فشكر القوة الرفق والعدل، وشكر الرفعة التواضع، وقد رفع الله تعالى نبيه، بما لم يرفع به رجل فى العرب، وبما لم يرفع به نبى فى أمته، فكان هذا التواضع الكريم الذى زاده عزا.

وقد دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أعلى مكة المكرمة من كداء، وهو أصح الروايات، كما جاء فى البخارى.

<<  <  ج: ص:  >  >>