للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدبر الكون يجرى الأمور على مقاديرها بما قدره سبحانه وأراده، وعلى ما ارتضاه من نظام لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ «١» .

٧٣- سقنا هذا الكلام لتوضيح أن محمد بن عبد الله قد كان وجوده بركة على قومه من وقت أن علقت به أمه إلى أن قبضه الله تعالى إليه، وأن البركة التى اتاها الله تعالى لقومه مباشرة من وقت العلوق به فى بطن أمه، كانت خيرا على الإنسانية كلها، لأنها حمت البيت الذى كان أول بيت للناس، وهو كعبة المسلمين. وهو المكان المقدس الذى قدسته الأديان كلها كما أسلفنا من قبل.

وقد كان إنقاذ البيت، وهو فى بطن أمه، إذ أن أبرهة ملك الحبشة واليمن أراد اقتلاع البيت من مكة وهدمه، وأن يا بنى بدله فى اليمن ليكون ذلك البيت الجديد هو مزار العرب، ومثابتهم وأمنهم كما كان البيت، وفى ذلك مصادمة لدعوة إبراهيم عليه السلام، إذ يقول رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ، فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ «٢» .

وقد استعد بخيله ورجله من قبل الحمل بالنبى، وساور مكة وأمه حامل به، وقد ردهم الله مدحورين ببركة الجنين الذى بعثه الله تعالى برسالة تشرف البيت الحرام وتحميه، ولنعرج على ذلك بكلمة موضحة موجزة.

[أصحاب الفيل]

٧٤- ال أمر اليمن إلى رجل من الحبشة اسمه أبرهة، وصار لها حاكما بأمره، وبنى بها كنيسة فخمة بصنعاء سماها القليس، وأراد أن يحج إليها العرب، وخاصة النصارى منهم، فلم يؤثروها على البيت الحرام، ولم يستبدلوها به، وبعد بنائها بعث إلى النجاشى بالحبشة، وهو لا يزال يعتبر نفسه تابعا، وجاء فى هذا الكتاب «إنى بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليك حج العرب» .

ولكن رجلا من العرب أدرك هذا المراد. فأراد تحقيرها، وأحدث فيها شيئا استهانة وسخرية.

فلما رأى أبرهة احتقار العرب لها، واستمرارهم على الذهاب إلى البيت الحرام من غير وناء ولا تقصير لم يجد بدا لتنفيذ إرادته إلا أن يهدم البيت الحرام بجيش يسيره مجهزا بأعظم عدة، وخرج بالفيل الذى يستخدمونه فى الحرب مع الإبل والخيل.


(١) سورة الأنبياء: ٢٣.
(٢) سورة إبراهيم: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>