للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حرمة مكة المكرمة]

٦٠٣- قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (العنكبوت- ٦٧) .

والقتال فى البيت الحرام على ذلك حرام، وإن الرجل كان يلقى قاتل أخيه أو أبيه، فلا يمسه، والمنازعات تكون خارجه لكى يتوافر للناس الأمن فى أول بيت وضع للناس ببكة مباركا، وهدى للعالمين.

ومن أجل ذلك نهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نهيا مؤكدا عن القتل والقتال، وأمن الناس حتى لا يضطروا إلى المدافعة، فقال: من كان فى البيت الحرام فهو آمن، ومن أغلق بابه عليه فهو آمن، وصار يعطى الأمان لكل من يطلبه، إلا أولئك الذين كان لهم إجرام واضح، وبعضهم ممن أسلم ثم ارتد، ومن كان مثل هذا فيه، وقتل عمدا مؤمنا بعد أن أخذ دية أخيه.

وذلك كله ليحفظ حرمة البيت الحرام، وشرف مكة المكرمة وحرمتها.

ولكن مع هذا الاحتياط الشديد فى حرمة البيت ومنعها من أن تمس، مع ذلك كان من المشركين الذين لم يدركوا معنى السلام من هاجموا قوات خالد بن الوليد، واضطر جيشه أن ينضح عنه النبل القاتل بالقتال فقاتل، وقتل من جيشه اثنان وقتل من المشركين بضعة عشر رجلا.

ولا شك أنه فى هذه الحال إنما أباح حرمة البيت الحرام أولئك الذين هاجموا، وهم المشركون، لا الذين دافعوا، وهم من كانوا فى جيش خالد.

ولكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أباح دم الذين أهدر دماءهم، ولو تعلقوا بأستار الكعبة الشريفة وقتل فعلا أحدهم، وهو متعلق بأستار الكعبة الشريفة.

وإن حرمة مكة المكرمة باقية، وإن امتهان حرمتها كان لحالة استثنائية لا يوجد مثلها قط، ولذلك خطب بذلك مؤكدا حرمتها، التى اختصها الله تعالي، فخطب قائلا بعد أن حمد الله تعالي، وأثنى عليه، ومجده بما هو أهله:

«أيها الناس، إن الله تعالى حرم مكة المكرمة يوم خلق السموات والأرض، فهى حرام كحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسفك فيها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقولوا له: إن الله أذنه لرسوله ولم يأذن لكم،

<<  <  ج: ص:  >  >>