للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة- ٩٣: ٩٦) .

عندما دخل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة المنورة بدأ بالمسجد فصلى ركعتين، ثم جاء إليه المخلفون الذين تخلفوا لمرضهم وضعفهم، والذين لا يجدون ما يحملهم، فكان عذرهم باديا، يسقط تكليفهم هذا الخروج الذى لا يكون إلا على أهل القوة والسلامة، والذين يجدون ما ينفقون، ولا ما يحملهم، فالله تعالى قد أسقط عنهم الحرج بقوله تعالت كلماته: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ (التوبة: ٩١) .

والباقون القادرون الأغنياء تقدموا بالاعتذار للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وطفقوا إليه يعتذرون ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما أظهروه، وكما يقول ابن إسحاق قبل علانيتهم، وبايعهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وهو يعلم أنه إن رضى عنهم، لا يرضى عنهم الله سبحانه وتعالى، ولكنه مأمور بألا يحكم إلا بالظاهر، وإذا قبل الظاهر، فقد يسيرون فى تحسين الباطن.

القسم الثالث- من أخلصوا دينهم لله تعالى، ولكنهم تخلفوا من غير معذرة، ولم يرتضوا الكذب على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وخير لهم أن يعترفوا بتقصيرهم عن أن يكذبوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهؤلاء ثلاثة، لم يعدهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلا من أقوياء الإيمان، ولكن غلب هواهم فى القعود فى ساعة التجهيز أو غلب فيهم ضعف وقتى، وإحساس ببعد الشقة، فرضوا أن يكونوا مع الخوالف، ولكن فيهم قلوب، لم يطبع عليها كأولئك الذين طبع الله على قلوبهم.

لذلك كان لا بد من علاج نفسى لهذه القلوب التى لم ترن عليها روانى الإثم المقصود، وإن كان تقصير فقد أدركوه، وكان ذلك العلاج الذى رآه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى، وذلك بالإعراض عنهم، ومهاجرتهم، وذلك لإيقاظ نفوسهم، وتعويدهم الصبر، وكانت هذه العقوبة تشبه الكفارة بالصوم ستين يوما متتابعة، لأنها تكون تربية للنفس وتهذيبها، لقد أعرض عنهم المؤمنون خمسين يوما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله تعالى إلا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>