للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجدوا أن ما فعلوه بأنفسهم فيه تكفير لتقصيرهم الذى تخلفوا به عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ورأوا أن الصدقة تطفيء الذنوب كما يطفيء الماء النار، فتصدقوا بكل أموالهم، وقالوا:

يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «ما أمرت أن آخذ أموالكم» فقيل نزل قوله تعالى فيهم خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة: ١٠٣) .

هذا قسم أخذ فى تطهير نفسه، ولم يطهرهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإبعاد الناس، وهم فريق واحد، أبى أن ينتحل عذرا شعورا منه بالتقصير فى التخلف عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإنهم بذلك وقعوا فى خطأ جسيم يكاد يكون خطيئة.

ولقد ذكر ابن كثير رضى الله تعالى عنه أقسام المخلفين، فذكرهم أربعة أقسام قريبا مما ذكرنا، قال:

«كان المتخلفون عن غزوة تبوك أربعة أقسام:

١- مأمورون مأجورون كعلى بن أبى طالب، ومحمد بن سلمة وابن أم مكتوم.

٢- ومعذورون، وهم الضعفاء والمرضى، والمقلون وهم البكاؤن.

٣- وعصاة مذنبون وهم الثلاثة، وأبو لبابة، وأصحابه المذكورون.

٤- وآخرون ملومون مذمومون، وهم المنافقون.

وقد ذكرنا هذه الأقسام فى القرآن الكريم، ونوافق الحافظ بن كثير على هذا التقسيم، ولكن لا نسمى أبا لبابة وأصحابه مذنبين، ولكن نسميهم مقصرين مخطئين.

وفى الحق أن غزوة تبوك التى كانت آخر غزوات فيها اختبار لنفوس الذين مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد بدت فيها أحوال الذين كانوا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بدا الأقوياء الذين لا يصدرون إلا عن أمره، وبدا المنافقون الذين لازموه مخذلين بخروجهم، ومخذلين فى سيرهم ومتامرين يريدون اغتيال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وبدا الذين ينقصهم الهمة والاستجابة فى الشدة، وإن كان لا ينقصهم الإيمان وقوة اليقين، وقد عالجهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نفسيا بأمر ربه، وعالجوا أنفسهم، والجسم القوى يقبل العلاج، ولم يعالج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غيرهم ممن تخلفوا، بل تركهم إلى ما هم فيه يحاسبهم الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>