للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما النصارى فإنهم لم يكونوا فى حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يثيروا عليه أحدا، إلا ما كان من الروم، أما النصارى العرب، وخصوصا من كانوا فى الجنوب، فكانوا على مودة نسبية أو أقرب إلى المودة، ولذلك قال الله تعالى فى نصارى العرب الذين كانوا يوالون المسلمين:

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى، ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً، وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة: ٨٢) هذا وصف عام لوفد نجران الذى سنتحدث عنه، وهناك سبب خاص حركهم للمجيء، وهو كتاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال، وذلك نص كتاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

«بسم الله الرحمن الرحيم، باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإنى أدعوكم إلى عبادة الله، من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله تعالى من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام» .

أرسل الكتاب إلى أسقفهم، فلما قرأه ذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من آل همذان اسمه شرحبيل بن وداعة وكان من همذان وكان مستشار الأسقف إذا حدثت معضلة.

فلما قرأ الكتاب قال الأسقف: ما رأيك يا أبا مريم، فقال: قد علمت ما وعد الله إبراهيم فى ذرية إسماعيل من النبوة، فما يؤمن بأن يكون هذا هو الرجل ليس فى النبوة رأي، لو كان من أمر الدنيا أشرت عليك فيه برأى وجهدت لك فيه، فنحاه، واستشار غيره وتعدد المستشارون، وكلهم أجاب بمثل جوابه فلما اجتمع الرأى منهم على تلك المقالة، أمر الأسقف بالناقوس فضرب، ورفعت المسوح فى الوادى، أعلاه وأسفله فاجتمع حين ضرب بالناقوس بطول الوادى مسيرة الراكب السريع يوما.

وسألهم الرأى بعد أن قرأ عليهم الكتاب من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

فاجتمعوا على إرسال وفد منهم يأتيهم بخبر هذا الرجل، ولما وصلوا المدينة المنورة خلعوا ثياب السفر، ولبسوا حللا يجرونها من الحبرة، وخواتيم الذهب، ثم دخلوا على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتصدوا له ليلا ونهارا فلم يرد عليهم، وعليهم تلك الحلل والخواتيم فذهبوا إلى عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف وكانوا يعرفونهما إذ كانا يتجران ويخرجان العير لهما فى الجاهلية.

ولما التقوا بهما قالوا لهما: إن نبيكما كتب إلينا كتابا فأقبلنا مجيبين، فسلمنا عليه، فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه، فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأى منكما، أنعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>