للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غناى في قلبي، فأقبل رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم علي الغلام، وقال: «اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» .

ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه.

انطلق الوفد، وكان مؤلفا من ثلاثة عشر رجلا راجعا إلى قومه.

ثم وافوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمنى سنة عشر، ويظهر أن ذلك كان فى حجة الوداع، بل من المؤكد ذلك، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يدخل منى بعد عمرة الجعرانة إلا فى حجة الوداع، حيث تمت رسالته، ونزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (المائدة: ٣) .

عندما التقى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بوفد تجيب فى منى سألهم عن الغلام القنوع الذى دعا له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكون غناه فى قلبه، فقالوا: يا رسول الله ما رأينا مثله قط، وما حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله تعالى. لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها، ولا التفت إليها، عاش ذلك الغلام إلى أن انتقل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ورجع من رجع من أهل اليمن، فقام فى قومه، فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد.

[وفد بنى سعد من قضاعة]

٦٧٧- كان العرب قسمين- أحدهما- دخل فى الدين راضيا مختارا، وهذا هو البناء الأول للجماعة الإسلامية، ومن دخلوا فى دين الله تعالى من البلاد العربية قاصيها ودانيها، وقسم رأى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم قد أخضع المعاندين والجاحدين لأن يستمعوا ومن وراءهم لدين الحق.

فما كان لغير القسمين إلا أن يختار مطمئنا راضيا إلا أن يتقدم إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم طالبا منه المعرفة. وهذا ما رواه الواقدى بسند عن كبير وفد بنى سعد من قضاعة، فقد قال:

«قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وافدا فى نفر من قومي، وقد أوطأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم البلاد وأداخ العرب، والناس صنفان. إما داخل فى الإسلام راغب فيه، وإما خائف من السيف، فنزلنا ناحية من المدينة، ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه» .

ونقف هنا وقفة قصيرة عند كلمة كبير هذا الوفد، وهى كلمة العرب، فإننا نرى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما أداخ العرب ولكن أداخ الجاحدين المعاندين الذين رفعوا عليه السلاح وآذوه، فهم

<<  <  ج: ص:  >  >>