للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد انتقلوا بعد ذلك إلى منزل من استضافهم وهو رويفع بن ثابت البلوي، فكان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم يأتى هذا المنزل يحمل تمرا، ويقول: «استعن بهذا التمر» وكانوا يأكلون منه ومن غيره.

وإن كلام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع هذا الوفد اشتمل على أدب كريم من آداب الاسلام، وعلى حكم شرعى، يتعلق باللقطة، ومن الحق علينا أن نشير إلى أمرين.

لقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يروى عنه «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وإن من مكارم الأخلاق الضيافة، وإنها فى ذاتها ترابط إنسانى، وتعاون ومحبة بين الناس، وهى ضرورة اجتماعية فى البوادى وما يشبه البوادى، فالرجل يسير فى البادية قد ينبتّ به الطريق، فلا يجد مأوى يأوى إليه، إلا أن تكون ضيافة كريم، ولذلك تكون فضيلة الضيافة ضرورة إنسانية فى البادية، ثم تخف ضرورتها كلما ابتعدت عن البادية، فهى فى القرى شبه ضرورة، وهى فى الحواضر حيث تتوافر الحاجات من طعام ومنام تكون معروفا، أو مروءة.

وهى تأخذ الحكم الشرعى على حسب هذه الأحوال، فهى واجبة إذا كان الإنسان لا يجد له مأوى، وقريب من الواجب إذا كان لا يجد المأوى إلا بعسر، وهى معروف يوجد ألفة ومحبة إذا كان يجد.

هذا ما يكون شرعا بالنسبة للمضيف، أما الضيف فإن عليه ألا يطيل الإقامة، بحيث يحرج رب البيت بل إنه لا يقبل المبيت إذا كان فيه حرج لرب البيت، ولم تكن ثمة ضرورة ملجئة، ولا حاجة تدفعه.

وفى حديث اتفقت عليه الصحاح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ويعطه جائزة، قالوا وما جائزة يا رسول الله؟ قال يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه» .

وفى خبر هذا الوفد أنه سأله صلى الله تعالى عليه وسلم أحدهم عن الضالة من الغنم، وعن البعير، فقال عن البعير مالك وله، دعه حتى يجده صاحبه، فلا يأخذه، لأنه إذا غاب عن صاحبه طلبه، وبحث عنه، ولأن البعير يقوم بذاته أمدا طويلا، ولأنه إن أخذه غيبة عن صاحبه، فلا يهتدى إليه، إذ يطلبه.

وعن الشاة الضالة التى يجدها الرجل فى الصحراء، حيث لا مرعى وحيث لا مأوي، قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: هى لك أو لأخيك أو للذئب، وهذا النص يفيد أنها حلال له، وهو نص فيه حكمته. ذلك أن الشاة وجدت فى الصحراء، حيث يصعب التعريف، وفرض أن لها صاحبها يمكن أن يعثر عليها بالتعريف بعيد، لأنه لا يوجد من يعرف بها، إذ هى فلاة، وفرض أنها تخلفت من قافلة مضت هو الأقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>