للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ومنها: اختصاص الأنبياء بأنهم الذين قامت بهم حجة الله على خلقه]

، وبأن آدم منهم سجد له الملائكة، والمسجود له أفضل من الساجد.

[ومنها: أن للبشر طاعات لم يثبت مثلها للملائكة كالجهاد]

والغزو، ومخالفة الهوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على البلايا والمحن.

[ومنها: أن طاعات البشر أكمل]

؛ لأن الله تعالى كلفهم بها مع وجود صوارف عنها قائمة بهم وخارجة عنهم، ولا شك أن فعل الشيء مع مشقته ووجود الصارف عنه.. أبلغ في الطاعة والإذعان من فعله مع عدم ذلك؛ إذ لا امتحان فيه بوجه.

لا يقال: جعلت صلواتهم كالتشريف له صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على أفضليتهم عليه؛ لأنا نقول: يبطل ذلك أمر المؤمنين بالصلاة عليه أيضا؛ بل ربما يعكس ذلك، ويقال: جعلت صلواتهم قربة منهم إليه، وهذا صريح في أفضليته عليهم.

واحتج كثيرون لأفضليتهم بقوله تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا لأن اشتغالهم بالاستغفار لغيرهم دالّ على استغنائهم عن الاستغفار لأنفسهم، وإلا لبدؤوا بأنفسهم لخبر: «ابدأ بنفسك» «١» ، والأنبياء محتاجون للاستغفار، قال تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ.

ولك ردّه بمنع دلالته على ذلك الاستغناء؛ لأن عدم الإخبار عنهم به لأنفسهم لا يدل على عدم وقوعه منهم، ولو سلمناه.. فالاشتغال به يحتمل أنه لإيثارهم المرتبة العليا، وهي النفع المتعدي الأفضل غالبا من النفع القاصر، فدعاؤهم لغيرهم متعدّ، ولأنفسهم نفع قاصر، وليس لعصمتهم؛ فإن الأنبياء معصومون مع أنهم مأمورون به؛ لأنه لا يستلزم ذنبا، بل قد يكون في حقهم للترقي في درجات القرب، والمراد بالذنب في وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ: مخالفة


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ٣٣) عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا.

<<  <   >  >>