للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أموال الدولة الإسلامية في سنيّها الأولى وانشغالها الدائم في الداخل والخارج لم يمكنها من بناء وإنشاء مزيد من المؤسسات المتخصصة لكي تمارس كل منها المهمة التي عهدت إليها، الأمر الذي جعل المسجد يزدحم بالوظائف والمهام ويغدو- على بساطته- (مجمعا) تلتقي فيه وتصدر منه كافة عمليات الحكومة وجزآ مهما من نشاطات الجماعة الإسلامية في علاقاتها الداخلية والخارجية على السواء.

لقد كان بناء المسجد هو الخلية الأولى للبناء الاجتماعي للأسرة والجماعة بوصفه أداة صهر المؤمنين بالإسلام في وحدة فكرية واحدة من خلال حلقات العلم والقضاء والعبادة والبيع والشراء وإقامة المناسبات المختلفة.. فلم يكن المسجد معبدا أو مقرا للصلاة وحدها بل كان شأنه شأن الإسلام نفسه متكاملا في مختلف جوانب الدين والسياسة والاجتماع «١» .

[ثانيا: الصحيفة:]

كانت خطوة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية في المدينة إصدار وثيقة نظم بموجبها العلاقات بين المجتمع المسلم الجديد نفسه وبينه وبين الكتل البشرية التي تعايشت في المدينة وبخاصة اليهود، وقد جاء فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس ...

وأن المؤمنين لا يتركون مغرما «٢» بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة «٣» ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس، وأن من تبعنا من يعود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم ... وأنه لا يجير مشرك مالا لقرشي ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن.. وأنه لا يحل لمؤمن أقر ما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدثا «٤» ولا يؤويه.. وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا


(١) أنور الجندي: الإسلام وحركة التاريخ ص ٣٢.
(٢) المغرم: المثقل بالدين الكثير العيال.
(٣) الدسيعة: الكبيرة.
(٤) المحدث: المجرم.

<<  <   >  >>