للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تظل باقية، تلك هي (التحذير) مما قد يمكن أن يفعله اليهود إزاء أي مخلوق ليس منهم قد يظنّون به النبوّة.

[[٢]]

وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أربعين سنة من ميلاده، وخاض بدعوته، في مرحلتيها السرية والعلنية، جهادا قاسيا ضد الوثنية التي استخدمت كل أسلوب لوقف نشاطه ووأد حركته. ورغم قلة الروايات وانعدامها أحيانا، فإننا نستطيع أن نجزم بأن اليهود وقفوا طيلة الصراع المكي، الذي دام ثلاثة عشر عاما، وراء قريش يتبادلون معها الوفود ويتصلون بها سرا من أجل أن يشددوا قبضتهم على النبي العربي، وأن يشلّوا حركته قبل أن يشتد ساعدها وتغدو قادرة على اكتساح كل ما يقف في طريقها، ليصدّها عن هدفها المحتوم، وثنيا كان أم يهوديا.

يذكر إسرائيل ولفنسون «١» أن المراجع العربية لم تشر إلى حركات يهود يثرب ونيّاتهم إزاء بيعة العقبة الكبرى، كأن الدعوة الإسلامية لم تصل إليهم وكأنهم لم يقفوا على شيء من أعمال البطون اليثربية العربية، ونحن نرجح أن اليهود لم يغافلوا عن تلك الحركة لأنها متصلة بمصالحهم السياسية والتجارية والاجتماعية، خصوصا إذا لا حظنا اتجاه الدعوة الإسلامية صوب المدينة وميل زعماء الخزرج إلى الاتصال بالرسول.. ونحن نعلم ما كان بينهم وبين اليهود من الحقد مما جعل زعماء بني النضير وقريظة يراقبون حركاتهم جميعا.. ثم نعلم أن الإسلام لم ينشر خفية في يثرب، وكيف أن مصعب بن عمير كان يدعو الناس إلى الله ورسوله على مرأى من جميع البطون.. ثم إننا نعلم أن عددا من تجار اليهود كان يشترك في مواسم الحج، فمن البعيد إذن أن يجهل اليهود تلك الشؤون كما صورتهم كتب الأخبار.. وكانت العلاقات بين اليهود وبين قريش في غاية الصفاء لذلك نفرض أنه إذا لم يفلح زعماء قريش في استمالة زعماء الخزرج فإنهم لا بد ذاهبون للتقرب من بعض زعماء اليهود ليعلموا على إحباط أعمال المسلمين في المدينة، وكذلك كان، فإن الذي يتأمل ما جرى بين كعب بن الأشرف زعيم بني النضير وبين الرسول يرى أن ذلك الرجل كان يقاوم الحركة الإسلامية منذ وصلت


(١) تاريخ اليهود في بلاد العرب، ص ١٠٦- ١٠٨.

<<  <   >  >>