للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمنتمين لمجرد تهمة تدور حولهم، بمقصلة تنزل وتصعد، أو سيف يضرب يمينا وشمالا، أو إشارة صامتة تعقبها أنهار من الدماء.. إن (النبي) غير (الزعيم) و (المعلم) غير (الإرهابي) و (الإنقلابي) غير (الطاغية) و (محمد) غير (روبسبيير) .

[[٢]]

كان المنافقون يتمثلون في طائفة من عرب المدينة من الأوس والخزرج ومن بعض المتهودة من رجال بعض البطون اليهودية الصغيرة، وقد التفوا حول زعيمهم عبد الله بن أبي كما التف حوله اليهود لاتفاق مصلحة الطرفين. وقد ظل خطر المنافقين على الدولة كبيرا ما ظل اليهود في المدينة، إذ أنهم كانوا على صلة دائمة بهم، بل إن اليهود هم الذين أدركوا النفاق في المدينة فلما تم تطهيرها من اليهود ضعف أمر النفاق وأصبح النبي لا يخشى خطر هذه الطائفة «١» ، حيث أخذ صوتها يخفت، ونشاطها يخمد، وعددها يقل، وتزلفها يشتد ومداراتها تزداد، وخوفها يبدو واضحا. وربما ندم كثير من المنافقين فعادوا إلى حظيرة الإسلام الصحيح فكانت هذه الظواهر مما ثبت الرسول على خطته في عدم أخذهم بالعنف، ورأى فيها الصواب والمصلحة سيما وأنهم كانوا يرتبطون مع كثير من المخلصين بروابط القربى والرحم، وإن أخذهم بالعنف- فضلا عن الأسباب التي ذكرناها- قد يفتح في صفوف المسلمين ثغرات واسعة ويثير أزمات داخلية حادة، وهو الذي كان مطمئن القلب بوعد الله بالنصر النهائي وإظهار دينه على الدين كله «٢» .

ولعل من الدلائل على ارتباط حركة النفاق بالنشاط اليهودي ضد الإسلام ما ورد في الآيات الأولى من سورة البقرة، التي هي أول السور المدنية في ترتيب النزول، فقد جاء فيها بصدد المنافقين: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ «٣» ، فقد قال جمهور المفسرين إن شياطينهم هم اليهود، ولم يغب ذلك عن النبي والمسلمين «٤» .


(١) إبراهيم الشريف: مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول، ص ٤١٥- ٤١٨.
(٢) محمد عزة دروزة: سيرة الرسول ٢/ ٧٨- ٧٩.
(٣) سورة البقرة: الآية ١٤.
(٤) دروزة: المرجع السابق ٢/ ١٢١.

<<  <   >  >>