للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحق، إن رأيت منها أمرا أنكره عليها قط أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن أبي سلول فقال: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي..

وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. فتشهّد ثم قال: يا عائشة لقد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب، تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسن منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال.

قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة- والله يعلم أني لبريئة- لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم إني لبريئة لتصدقنني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ «١» .

ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا يتلى، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري. ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فو الله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما


(١) سورة يوسف، الآية: ١٨.

<<  <   >  >>