للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيَّره اللع تَعَالَى بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَه مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا (١) مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ (٢) ، فَاخْتَارَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَهُ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ (٣) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: فَدَيْناك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَعَجِبْنَا (٤) له، وقال الناس: انظروا إلى هذا


سورة العلق: الآية ٩ - ١٠) ، وبقوله تعالى: (وأنَّه لَمَّا قَام عَبْدُ الله يَدْعُوه كَادوا يَكُونُوا عَلَيْهِ لِبَداً) سورة الجِنّ: الآية ١٩) فإن المراد بالعبد في هذه الآيات هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أبهم الأمر، ولم يعيِّن نفسه من بدو الأمر إحالةً على إفهام حُذّاق الصحابة وامتحاناً لفهمهم، ولئلا يحصل لهم الملال دفعة بسماع خبر مصيبةٍ عظيمة.
(١) قوله: من زَهرة الدنيا، بالفتح أي بهجتها وزينتها، قال النووي في "شرح صحيح مسلم": المراد بزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها وحدودها، شبَّهها بزهرة الروض.
(٢) أي ما عنده من لَذَّة العقبى والدرجات العلى.
(٣) قوله: فبكى أبو بكر، لما أنه كان من أفقه الصحابة وأعلمهم بالأسرار النبوية، ففهم أن مراده بالعبد المخيَّر المختار ما عند الله هو نفسه، فبكى حزناً على فراقة، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا أي أنت عندي بآبائنا معاشرَ المسلمين، وأمهاتنا، فإن بقاءك خير لنا من بقاء آبائنا وأمهاتنا.
(٤) قوله: قال فعجبنا، أي قال أبو سعيد الخُدْري: فتعجبنا - نحن حُضَّارَ الصحابة - من بكاء أبي بكر، وقال الحاضرون بعضهم لبعض على سبيل الاستعجاب: انظروا إلى هذا الشيخ مع كِبَر سنِّه ووفور علمه يخبر رسول الله بخبر عبد من عباد الله، وهو يَفْدي الآباء والأمهات عليه. وهذا التعجب إنما كان لعدم وصول الأفهام إلى ما فهمه أبو بكر، ثم ظهر لهم ما ظهر له أن العبد الذي أخبر عنه رسولُ الله كان نفسَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>