للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عوامل الصبر والثبات]

وهنا يقف الحليم حيران، ويتساءل عقلاء الرجال فيما بينهم: ما هي الأسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمين إلى هذه الغاية القصوى، والحد المعجز من الثبات؟ كيف صبروا على هذه الإضطهادات التي تقشعر لسماعها الجلود، وترجف لها الأفئدة؟ ونظرا إلى هذا الذي يتخالج القلوب، نرى أن نشير إلى بعض هذه العوامل والأسباب إشارة عابرة بسيطة:

١-[الإيمان بالله وحده]

إن السبب الرئيسي في ذلك أولا وبالذات هو الإيمان بالله وحده ومعرفته حق المعرفة، فالإيمان الجازم إذا خالطت بشاشته القلوب يزن الجبال ولا يطيش، وإن صاحب هذا الإيمان المحكم وهذا اليقين الجازم يرى متاعب الدنيا مهما كثرت وكبرت وتفاقمت واشتدت- يراها في جنب إيمانه- طحالب عائمة فوق سيل جارف جاء ليكسر السدود المنيعة والقلاع الحصينة، فلا يبالي بشيء من تلك المتاعب، أمام ما يجده من حلاوة إيمانه وطراوة إذعانه وبشاشة يقينه فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: ١٧] .

ويتفرع من هذا السبب الوحيد أسباب أخرى تقوي هذا الثبات والمصابرة وهي:

٢- قيادة تهوي إليها الأفئدة

، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم- وهو القائد الأعلى للأمة الإسلامية بل وللبشرية جمعاء- يتمتع من جمال الخلق وكمال النفس، ومكارم الأخلاق، والشيم النبيلة والشمائل الكريمة، بما تتجاذب إليه القلوب، وتتفانى دونه النفوس، وكانت أنصبته من الكمال الذي يعشق لم يرزق بمثلها بشر، وكان على أعلى قمة من الشرف والنبل والخير والفضل، وكان من العفة والأمانة والصدق، ومن جميع سبل الخير على ما لم يتمار ولم يشك فيه أعداؤه فضلا عن محبيه ورفقائه، لا تصدر منه كلمة إلا ويستيقنون صدقها.

اجتمع ثلاثة نفر من قريش، كان قد استمع كل واحد منهم إلى القرآن سرا عن صاحبيه ثم انكشف سرهم، فسأل أحدهم أبا جهل- وكان من أولئك الثلاثة- ما رأيك فيما

<<  <   >  >>